قضايا

مكانة المعلم في المجتمع: ما هكذا يا سعد تورد الإبل !!!

عبد الله بن أهنية

تذكرت وأنا أنظر من خلال زجاج هذا المقهى المهجور وفي هذا اليوم البارد الممطر، تذكرت شيئاً وأنا أنظر إلى كوكبة من الطلاب تمشي وتترنح في الشارع غير مبالية بنظرات الناس، وتذكرت ما كنت اقرأ قبل أيام حول ما كُتب (وبكمٍّ هائل) عن دور المعلم وعن مكانته في المجتمع، وتذكرت أيضاً ما ورد عن الصحف في حادثة العنف السيئة في إحدى المؤسسات التعليمية كان الضحية فيها هو "المعلم"، فتذكرت حينها ما وصل إليه المعلم من تبجيل ومكانة عندما عكَست سنغافورة مثلاً سلم الرواتب لتضع المعلم في أعلاه، وأيضاً ما فعله مهاتير محمد في ماليزيا وما فعلته اليابان وكوريا وفنلندا وغيرها من البلدان إيزاء المعلم، وكيف وصلت الهند إلى درجة تقديس المعلم ونهضت بإقتصادها، وكيف استطاعت تلك البلدان ومن خلال المعلم والتعليم أن ترقى ببلدانها فكرياً ومعرفياً واقتصادياً مما جعل بلداناً أخرى تتطلع إلى نموذجها وتقتفي أثرها في هذا المجال. وهكذا وأنا أسرح بفكرى وأحاول جزافاً المقارنة، حيث اصطدم بالواقع المر (كالعادة) أن لا مجال هنا للمقارنة، تذكرت حينها مقولة العرب الشهيرة التي تنطبق فعلاً على حالنا ووضعنا المأساوي: "ما هكذا يا سعد تورد الإبل" وهي الشطر الأخير من بيت الشعر التالي: "أوردها سعد وسعد مشتمل *** ما هكذا يا سعد تورد الإبل"). والمقولة ترمز إلى عدم الدراية وعدم اتباع الطريقة السليمة والصحيحة لفعل أي شيئ، كما توحي أيضاً أن الإقدام على شيئ دون الدراية به يُفضي إلى أمور لا تُحمد عقباها. وعليه، فإن المتتبع لمراحل التعليم خلال السنوات الماضية وإلى مشاريع الإصلاح المتتالية والمزمعة لم تفي بغرضها ولم تحقق الأهداف المنشودة، كما يجد المتتبع لمسلسل التربية والتعليم في بلدنا بأن هناك فرقاً شاسعاً بين التعليم قديماً وحديثاً وكيف تغير مفهومه وكيف تغيرت النظرة إليه مع مرور الزمن وتغيرت إثر ذلك العقلية (المغربية خاصة والعربية عامة) ونظرتها إلى التعلم وكسب المعرفة، فتلك إذاً ظرفية زمنية غير بعيدة تغيرت معها نظرة المجتمع إلى المعلم وتقلصت بل وتقهقرت معها مكانته (إن لم نقل تدحرجت إلى الأسوء). فلقد تطور التعليم كثيراً تكنولوجياً ومعرفياً وكذلك تطورت البنية التحتية للمؤسسات التربوية والتعليمية، فبعد أن كان التلاميذ والطلاب يدرسون في مدارس جد متواضعة لا تزيد أحياناً عن حجرتين أو ثلاثة، أو بيوت طين وطوب انتقلوا إلى مدارس تزخر بمباني عصرية وحجرات درس واسعة وساحات ومرافق تعليمية متقدمة أُعدت لخدمة الطالب ولإيجاد راحته النفسية مراعية في ذلك متطلبات العصر الحديث وملائمة الفضاء المدرسي لمبادئ ونظريات التعليم الحديثة، مما أدى إلى تغير في العلاقة بين المعلم والطالب، لكن ما يأسف عليه هو كلما زاد التطور في البنية التحتية للمؤسسات التربوية والتعليمية كلما هبط المستوى الأخلاقي لدى روادها، فما هو السبب إذاً؟ وأين تكمن مواطن الخلل؟

علاقة المعلم والطالب بين الأمس واليوم:

لاشك أن الأمم بأخلاقها كما يقال لا بمبانيها، ولاشك أيضاً أن الأخلاق تنبع من البيت لتُعزَّز في المدرسة والشارع. ولذلك ركز القدماء على غرس الأخلاق الحميدة والسلوك السوي في نفوس الصغار منذ نعومة أظفارهم، فكانوا حرصين على تجلي تلك المبادئ من خلال تصرفات الفتى مع أقرانه ومع من هم أكبر منه سنًّا، فعزز ذلك احترام المتعلم للمعلم، وحسن بذلك خلق المتربين وازدادت قدراتهم المعرفية والفكرية، وبارك الله تعالى في أعمالهم، فمنهم من ترك لنا علماً يُنتفع به، ومنهم من ترك اختراعاً لازالت الأمم تشهد له به، ومنهم من سنَ لنا سُنة حسنة لا زلنا ننتفع بها ولازال هو يناله أجرها.

وبالرجوع إلى مكانة المعلم، فيمكن الجزم بأنه لا مجال للمقارنة بين العهد الماضي والعهد الحديث، فشتان بين عهد الستينات والسبعينات والثمانينات وحتى بداية التسعينات على سبيل المثال، وما نراه جلياًّ في هذا الجيل الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه جيل يقف حيراناً عند مفترق الطرق، تائهاً متوتراً وقلقاً ومقلدا في معظم الأحيان لا مبدعاً، ومتأثراً بالطفرة المادية لدى البعض مما جعله يكره الدراسة والتمدرس ويريد الظفر بوظيفة والحصول على المال بأية وسيلة حتى وإن خرجت عن باب الصواب أو المألوف!. غير أن هنالك من يُعزي هذا التقهقر في النظرة إلى مكانة المعلم وكذلك علاقة الطالب بالمعلم إلى تأثر كلاهما بالتغيرات التي طرأت على المدرسة مؤخراً فيما يخص عملية التعليم والتعلم إذ كان دور المدرسة سابقاً يتجه نحو تحقيق الكفاية التعليمية والمعرفية والتحصيل العلمي من خلال نقل المعلومة وكذلك نقل التراث للأجيال الجديدة، ومن أجل تحقيق ذلك، كان على المعلم أن يقوم بهذا الدور من خلال أسلوب التلقين البحث، حيث كان الأسلوب أو المنهج المتبع هو التركيز على المعلم (Teacher Centered Approach) كما ينظر إلى هذا الأخير على أنه المصدر الأساسي للمعرفة وتوصيل المعلومة، ومن أجل تحقيق ذلك فإن على المعلم أن يعلم جيدا كيف يبْسُط سلطته ويتحكم في دواليب العملية التعليمية أثناء حصة التدريس ويضمن بذلك عملية الضبط والنظام في حجرة الدرس حتى يضمن جواً من الهدوء التام من قبل التلاميذ ويجد أذناً صاغية وغير متمردة على أوامره، وبدون ذلك كان يُعتقد بأن المعلم لا يستطيع أن يحقق أي هدف من أهدافه التي كان يجب أن يخطط لها بدقة تامة إلا ببسط سلطته بشكل مطلق. ويقول أحد الباحثين أن هذا الدور تطلب من المعلم "أن يكون على دراية ومعرفة كبيرتين بمختلف القضايا والمعلومات العلمية، وإلاّ فإن أي خطأ يقوم به المعلم سيكون مصدر شك كبير في قدراته ومعلوماته مما يضعف عملية التعلم. وقد أدى هذا الدور من المعلم إلى الاهتمام بالمشكلات التحصيلية. وكان يرى أن حل هذه المشكلات لا يكون إلاّ من خلال الجهد والمثابرة والانتباه، وبالتالي لم يحاول التعرف على المشكلات النفسية والاجتماعية والتي لها تأثير كبير على النمو المتكامل للتلميذ بما فيه النمو العقلي". ومع التغير الذي طرأ على أساليب التدريس وكذلك التطور الذي شهدته نظريات التربية والتعليم الحديثة بما في ذلك جون ديوي ومونتيسوري وغيرهم، والدور الطلائعي الذي بدأت المدرسة تأخذه فيما يخص الإهتمام بالنمو المتكامل للطفل في جميع النواحي العقلية والجسمية والنفسية والاجتماعية والشخصية، مما أدى إلى توسيع رقعة مسؤولية المعلم بحيث أصبحت له أدواراً متعددة عليه أن يقوم بها، وتراهن المدرسة والوزارة المعنية على تحقيق أهدافها، ومن تلك الأدوار على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

- الاهتمام بالنمو المتكامل للتلميذ من جميع النواحي الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية.

-الاهتمام بمشكلات التلميذ الشخصية والأسرية والنفسية.

- الاهتمام بمشكلات التلميذ التحصيلية وحصرها ومعالجتها وإعطاء التغذية المرتدة ([Feedback).

- توفير المناخ الديمقراطي الذي يعطي فرصة للتلميذ للتعبير عن آرائه وأفكاره وطرح الأسئلة بكل حرية وشفافية.

- الاستماع إلى اقتراحات الأسرة ومد يد المساعدة للتلميذ تبعاً لذلك.

- الخروج من نطاق "المعلم التقليدي" إلى نطاق "المعلم الإنسان" (أي الذي يشاطر التلاميذ أحاسيسهم وأفراحهم وأحزانهم).

- تقديم الخدمات الإرشادية للتلاميذ ومد يد المساعدة إليهم.

- توفير الدافعية الإيجابية (Positive Impulse) والمحافظة عليها واستثارة اهتمام التلاميذ بأهداف التعلم.

- تشجيع الطلبة على مفهوم عمل الفريق (Team-Work) والتعاون والمشاركة في النشاطات الصفية بناءً على مبدأ الإحسان والتسابق في فعل الخيرات.

- التذكير بالمبادئ الاسلامية فيما يخص أدب الكلام واحترام الرأي الآخر والتسامح مع من أخطأ وأننا نتعلم أحياناً من أخطائنا، وحفظ النظام بطريقة تسهل عملية التعليم والتعلم .

- تنمية روح المسؤولية (Responsibility) لدى التلاميذ وصقل مهاراتهم القيادية (Leadership Skills).

- إتاحة الفرصة للتلاميذ للمساهمة في تحديد بعض المواد التعليمية المناسبة والتي تروق أذواقهم.

- إتاحة الفرصة للتلاميذ كي يشاركوا المعلم في وضع القوانين والقواعد الداخلية للفصل التي تضمن عملية الضبط والنظام الصفي، وإن أمكن مشاركتهم مع الإدارة في وضع القوانين الداخلية للمدرسة ككل.

-مطالبة كل تلميذ أو طالب بالتوقيع على القانون الداخلي أسفل كل صفحة إلى جانب توقيع والديه والتأكد من استيعابه لما وقّع عليه كجزء من بناء روح المسؤولية في نفس التلميذ أو الطالب.

- ضرورة التعرف على الفروقات الفردية بين التلاميذ في القُدرات والاهتمامات والميول من أجل تخطيط نشاطات تناسب القُدرات المختلفة.

- ضرورة التعرف على الأساليب والطرائق المتنوعة في التعليم واختيار ما يناسب تلاميذه والبقاء في تواصل مع كل ما هو مستجد في الميدان.

- إشراك آباء وأولياء التلاميذ في العملية التعليمية والحث على حظورهم بعض فعاليات الفصل الدراسي ومناقشة وضعية أبنائهم كلما دعت الضرورة لذلك.

-ضرورة التعرف على متطلبات وخصائص كل مرحلة للرقي بتلاميذه إلى أعلى مستوى.

- ضرورة التعرف على مستويات التلاميذ وقدراتهم واستعداداتهم وميولهم واهتماماتهم والتخطيط لدروسه مسترشداً بهذه المعلومات عن تلاميذه، وضرورة الإيمان بأن هنالك فوارق طبيعية قد لا يسهل أحياناً تقويمها.

- يجب أن يثق المعلم بقدرات تلاميذه ويشجعهم على تفجير طاقاتهم بأساليب خيالية وابتكارية، ويترك لهم الفرصة للمشاركة في التخطيط لبعض النشاطات التعليمية وتنفيذها، وإن أمكن نشرها بين الفصول الأخرى أو إدخالها في منافسة.

- ضرورة الاهتمام بقياس مدى تقدم تلاميذه نحو تحقيق الأهداف من خلال استخدام أساليب متنوعة في القياس.

- ضرورة تزويد التلاميذ بتغذية مرتدة عن أدائهم، وإن دعت الضرورة فلا بأس من إشعار أو مشاركة الآباء في ذلك.

- ضرورة التعرف على خصائص النمو للتلاميذ بما في ذلك خصائص النمو الجسمي والنمو المعرفي والنمو الاجتماعي والانفعالي، وخلق جلسات استشارية وبرامج تمكن من تطوير تلك القدرات.

- ضرورة التعاون مع مدرسي الرياضة البدنية والفنون من أجل الرفع من مستوى التلاميذ وتشجيعهم والوقوف على حاجياتهم.

أبعاد الأضرار الناجمة عن عدم ضبط الصف المدرسي:

بما أن العملية التربوية والتعليمية تهدف في واقعها إلى تنمية شخصية الطالب من النواحي العقلية والجسمية والانفعالية والاجتماعية بوجه عام، وبما أن مجريات التدريس أو التعلم تمر من خلال الممارسات القائمة داخل حجرة الدرس بين كل من المعلم والمتعلم، فإنها بدون شك تمر من خلال الجانب النفسي والاجتماعي القائم على التفاعل النفسي بين قطبي العملية فإن عملية ضبط الصف (أو القسم) يعتبر في حد ذاته إدارة تعتمد بالأساس على العوامل النفسية والإجتماعية وتكتسي أهمية خاصة لدى طرفي الاتصال (أي المعلم والتلميذ أو الطالب) ويتسمان بأبعاد نفسية واجتماعية غاية في الخصوصية لأن كلا منهما قد يأثر على الآخر، وإن تضرر أحد الطرفين أو كلاهما تعثرت العملية التعليمية وزاغت عن أهدافها المرسومة. ومن أجل ذلك، لابد من التأكد من العلاقة بين التلميذ والمعلم هي علاقة أساسها الاحترام والمحبة ومعرفة كل منهما بدوره والقوانين المحيطة بمهمته. وعلى المعلم أيضاً أن يكون ملما بالأسس النفسية لإدارة الفصل الدراسي داخل حجرة الدرس، علماً بأن تلك الأسس النفسية التي تقوم عليها التربية تنحصر في بعدين رئيسيين وهما : معرفة طبيعة التعلم ، بمعنى معرفة موضوع التعلم ومحتواه ومقرراته ومناهجه ومناسبته للمتعلم ومدى تلائمه مع ما يتطلع إليه الفتى أو الفتاة، والاهتمام بأساليبه وبطرق تدريسه واختيار المناسب لكل موضوع من موضوعات التعلم؛ والبعد الثاني وهو مدى معرفة المعلم لطبيعة المتعلم أي معرفة المتعلم كإنسان أو كائن له أحاسيس تتأثر بعوامل طبيعية وبشرية شتى، وأيضاً معرفة سماته وقدراته وميوله واستعداداته ودوافعه للتعلم وحاجاته ورغباته النفسية .والحاجة (كما يقول أحد الباحثين) هي "حالة من النقص والعوز والافتقار واختلال التوازن ، تقترن بنوع من التوتر والضيق لا يلبث أن يزول متى قضيت الحاجة وزال النقص ، سواء كان هذا النقص مادياً أو معنوياً ، داخلياً أو خارجياً". وقد لخص الباحث الحاجة إلى ستة مشارب وهي:

1- الحاجة إلى الطمأنينة: والمقصود بها وجود تواصل بين المعلم والمتعلم يخلق جوا من الطمأنينة والإرتياح تكبح أي سلوك غير مقبول.

2- الحاجة إلى الحب المتبادل والانتماء: لابد من بناء حب الانتماء إلى المؤسسة وإشباع رغبة الفرد في الانتماء إلى فريق يثق به حتى وإن صغر عدده، وحقه في في إقامة علاقة عمل وتعاون مع الأفراد أو المجموعات في الفصل الذي يدرس فيه أو الفصول الأخرى تحت رقابة المعلم وإدارة المدرسة ويكون الآباء على علم بذلك. وإن من أسباب حالات الشغب في غرفة الصف عدم إشباع مثل هذه الحاجة.

3- الحاجة إلى تقدير الآخرين: وهي تشير إلى رغبة الفرد الجامحة في تحقيق قيمته الشخصية كفرد متميز مما يؤدي إلى الشعور بالقوة والثقة والجدارة والكفاءة والفائدة. وإذا حصل العكس، فإن ذللك يؤدي إلى الشعور والإحساس بالضعف والعجز. ومما لا شك فيه تقدير المعلم للتلميذ أو تقدير المؤسسة وكذلك الأسرة يؤدي إلى الرفع من مستوى التحصيل الدراسي، ويكون عملاً من عوامل النجاح .

4- الحاجة إلى النجاح: تشير معظم الدراسات أن معظم التلاميذ يلجون المدرسة وهم لديهم حاجة للنجاح، غير أن تلك الحاجة تأتي بمستويات مختلفة. أما النجاح في حد ذاته فإنه يبعث بالشعور بالإرتيح، ويعزز الثقة في النفس والقدرات الشخصية، ويجنب الفرد حالات القلق الناجمة عن الخوف من الفشل ويعزز نشاطاته الأكاديمية المستقبلية فالنجاح يؤدي بدون شك إلى نجاح آخر.

5- الحاجة إلى سلطة ضابطة موجهة: وهي مساعدة التلميذ أو الطالب بتبني القيم والمعايير التي تساعده في إيجاد مجتمع حر منظم، وترتبط هذه الحاجة بالمراحل التطورية والنمائية التي يمر بها التلميذ أو الطالب، فالطالب في المرحلة الأساسية الأولى حاجته إلى الضبط بخلاف مرحلة المراهقة والشطط.

6- الحاجة إلى الحرية : المراد بهذه الحاجة هو السماح للفرد بأن يختار الطريق الذي يراه مناسباً لكي يسلكه، واحترام رغبته في تأكيد ذاته في حدود معقولة ومعينة مبنية على أسس ومبادئ دينه الحنيف وضوابطه، كي يثبت وجوده كفرد يسعى إلى تحقيق إمكاناته وقدراته على نحو فعلي وواقعي، بحيث يغدو الشخص الذي يمكن أن يكون عليه أو كما يراه هو بنفسه.

خلاصة:

كما أشرنا سابقاً، فقد تأثر دور المعلم بالتغيرات التي طرأت على المدرسة في عملية التعليم والتعلم، كما أن الجو الاجتماعي العام وتغلغل الرأسمالية والجشع وحب الدنيا وتكديس الأموال والتطاول في العمران والتباهي بالكماليات أكثر من ذي قبل، وكذلك تدني رواتب المعلمين وتفشي السلوك السيئ والابتعاد عن الأخلاق والقيم الفضيلة، أصبحنا نمسي ونصبح على أخبار تحكي عن بؤس المعلمين وعن حالات العنف في المؤسسات التعليمية بل أصبحنا نسمع عن "لكْم" معلم وسَحله وتهديد المعلمة وإشهار السلاح الأبيض في وجه المربين. تلكم صورة قاتمة بلا شك حتى وإن لم تكن عامة وجد محدودة ونادرة، فهي تضر بأجيالنا وتبعث الإحساس بعدم الإرتياح لدى تلاميذنا وطلابنا وأمهاتنا وآبائنا.

نعم سيتم لَكْمُ المدرس وضربه بل سيضل يُسحل ما لم نعُد بأجيالنا إلى الصواب وما لم توفي الوزارة المعنية بوعودها إيزاء الطبقة الشغيلة في هذا الميدان. نعم سوف تستفحل تلك الظواهر المشينة في مجتمعنا (نسأل الله العافية وأن يحفظ بلدنا من كل مكروه) ما لم يلفضها المجتمع برمته من خلال صموده وراء إعادة المجد للمدرسة العمومية وإعادة كرامة المعلم من خلال إعادة النظر في راتبه والرقي به إلى أعلى وأسمى المراتب. سوف يزداد هذا الجيل نفوراً من المدرسة لأننا لم ننمي فيه حب الإنتماء لتلك المؤسسة، ولأننا لم ننمي فيه فكرة الاتكال على الله ثم على نفسه، ولم نكرس جهودنا في زرع الأخلاق الحسنة والسلوك السوي في أسرنا ومن خلال تعاملنا مع بعضنا البعض.

لنعُد إذاً بمدرستنا نحو تحقيق الكفاية التعليمية والمعرفية ونقل التراث للأجيال الجديدة مع انتقاء المناهج السليمة القوية وتطبيق النظريات الحديثة في التربية والتعليم والتي تسعى إلى تأهيل المتعلم وتبني فيه المعرفة القوية والمهارات والكفايات اللازمة لولوج سوق العمل، مع الحفاظ على سلوكه السوي والحفاظ على مبادئ دينه الحنيف. منهج تعليم راقي يجمع بين الأصالة والمعاصرة ويعلم الأجيال كيف تحترم من علمها ولو حرفاً، وتحترم من هو أكبر منها سناًّ وقدْراً. ولنعطي أهمية إلى إنتقاء الخبراء في هذا الميدان من أبناء وطننا في الداخل والخارج.

نعم، ورغم أنه كان لزاماً على المعلم أن يقوم بدور المعلم والمربي، كان لزاماً أيضاً على الأسرة وعلى المجتمع أن يرفض جميع أنواع السلوك المنحط والمشين لهذه الأجيال: كان لزاماً على الوالدين عدم الرضى وقبول تلك الأنواع المقززة لقصّات الشعر، وتلك السراويل المقطعة عن الركب وأعلاها، أو تلك السراويل المتدلية التي تظهر جزءاً من عورة الفتى أو الفتاة. فلا خير في جيل شمّر على ما فوق أذنيه بدلا من أن يشمر على ساعديه، جيل لا يستحي من معلمه، بل حتى من والديه، جيل هلكه الخمول والنوم حتى الظهيرة، جيل توارث عادات سيئة تغير معها لون بشرته وتثاقل معها كلامه فارتخت أحباله الصوتية لترتخي معها "التاء" عنده. جيل لم يأخذ العبرة من أقرانه في الأمم الأخرى، ومن الخيرين والمتفوقين من أبناء وبنات هذا البلد اللذين شرفوا هذا الوطن ورفعوا اسمه في العلالي. ولا أقول للجميع إلا ما قالته العرب قديماً: "ما هكذا يا سعد تورد الإبل"، أو ما قاله لي بالأمس القريب صديقي إبراهيم وهو يودعني عند باب المقهى: "أكعاون ربي"...

والله ولي التوفيق،،،

*خبير دولي في مجال التربية والتعليم، مستشار