رأي

جواد مبروكي: المغاربة "جسم واحد" .. وتصنيف الأقليات يبث الكراهية

إذا أراد المغاربة العيش في جو من التعايش والتسامح ووحدة المجتمع وسلمه وأمانه فما الداعي إلى التمييز بينهم ووضع أو تصنيف كل فئة منهم في خانة معينة وإغلاق الباب عليها وإبعادها عن الأغلبية؟ لماذا التمييز بين الأقلية والأغلبية بين مواطنين مغاربة؟

هل نحن المغاربة جسم واحد أم لا؟ تمييز فئة من المغاربة بشيء ما مثل بتر يد أو رِجل أو عين الهيكل المغربي؟ فكيف لمجتمعنا، وهذا البتر، أن يكون في صحة جيدة ومتناغمة ويسير قُدما؟

المجتمع المغربي كالطير وأفراده كالريش، متنوع في طبيعته وطوله وكل ريشة لها دورها. تمييز فئة ما من المغاربة واعتبارها أقلية دينية وتخزينها في مستودع خاص مثل بتر فئة معينة من ريش الطير. فأرياش الجناحين مختلفة عن باقي ريش الطير، وهي التي تساهم في طيران الطير وتوازنه.

وفئة ريش رأس وصدر الطير تختلف كذلك، فهو ريش ناعم يسمح للطير بالانزلاق وتخفيف قوة احتكاك الهواء وبالتالي سرعة الطيران. فأرياش الجناحين مختلفة عن سائر ريش الطير، وإذا اعتبرناها أقلية ونتفناها أو ربطناها بالقيود، فهل لهذا الطير أن يطير إلى الأفق الأعلى؟

يشمئز قلبي ويضيق فكري لما أسمع وأرى وأقرأ في هذه الأيام في كل مكان وعلى كل المنابر الإعلامية أن هناك أقليات دينية بالمغرب، ويشار إليها بالأصابع كأنها مجموعات أتت من خارج المغرب أو من كوكب آخر!

هذا الاشمئزاز جعلني أفكر في هذا النوع من الخطاب في جميع المواقع، وأصابني الرعب لما تساءلت كيف لنا أن نحلل هذا الخطاب؟

1-هل هو خطاب التمييز الديني؟

هل يجب علينا كمغاربة أن نهتم بكل عضو من أعضاء الجسم المغربي وبكل ريشة من ريش طير المجتمع بالعدل والإنصاف والمساواة وتوفير العيش الكريم، أم يجب تقسيم المجتمع إلى أغلبية وأقليات ونهتم فقط بأفراد الأغلبية ونتجاهل حقوق أفراد مغاربة صُنفوا في خانة الأقليات؟ هل هذا التصنيف نافع أم مضر لصحة مجتمعنا؟ هل تهمنا حقوق المواطن أم حقوق المجموعات؟

هل نريد أن نربي كل مغربي على المواطنة وحب الوطن وحب العالم والاتحاد والوحدة في التنوع والتعايش وتنمية الحِسِّ للانتماء إلى مجتمع "واحد" وتقوية قدراته لخدمة الوطن، أم نريد هذا لكل مغربي ينتمي للأغلبية الدينية فقط؟ هل هذا هو دين الله؟ هل هذا هو هدف الدستور؟ هل هذا هو هدف الوطن؟

2-هل هو خطاب التطرف؟

الإعلان عن وجود أقليات دينية والإعلان عن حرمانها من حقوقها هو فكر تطرفي وتقطيع وتمزيق لهيكل الجسم المغربي ونَتْف ريش طير المجتمع. هذا الخطاب كأنه يعلن أن حقوق الأغلبية الدينية المغربية كلها متوفرة، وهذا تناقض في أصله وتطرف فكري في واقعه. إذا أردنا التعايش وحياة تتميز بالعدل والإنصاف فلا حق لنا في أن نفكر بفكر "المقص" ونجزئ المجتمع المغربي إلى أقليات وأغلبية ونسعى إلى تحقيق حقوق كل فئة منه. هل الأهم هو فكر الوحدة والسعي إلى توفير حقوق كل مواطن مغربي كيف ما كانت أفكاره أم الأهم هو التمييز في الحقوق بين فئات المجتمع؟ أي خطاب سيساهم في التقدم والسلم والتعايش والوحدة؟ خطاب حقوق المواطن المغربي أم خطاب حقوق الأقليات والأغلبية؟

3-هل هو خطاب الكراهية بطريقة غير مباشرة؟

كيف ما كان نوع التمييز والمقارنة فهو خطاب يحث على الكراهية. فإذا قلنا إن هذه الفئة من المجتمع أفضل من الأخرى نخلق التمييز، وبالتالي الكراهية عند الفئة غير المفضلة.

عندما نتحدث عن الأقليات الدينية نمارس خطاب الكراهية كأننا نقول "هذه الفئة من المغاربة خرجت عن ملة الأغلبية واختلفت عنها ويجب أن نضع عليها وشماً خاصاً لنحذر منها كأنها أصبحت عصابة من المجرمين والجاسوسيين وأعداء لوطنهم ولمجتمعهم". هذا ما سيستنتج المغربي من هذا الخطاب ويتعبأ بهذا الفكر الخطير المضاد لمبدأ التعايش.

أليس من الحكمة أن نتحدث عن مجتمع مغربي "واحد" و"متحد في تنوعه" الفكري والفلسفي والعقائدي، ونسهر جميعا على زرع التعايش بين كل المغاربة وتوفير حقوق كل مواطن بالعدل والمساواة وتطوير روح المواطنة والحِسِّ بالمسؤولية تجاه المجتمع، ونترك بعيدا عنا تجزيء هيكل مجتمعنا إلى أقليات ونَتفِ ريش طير وطننا؟

المغاربة طير واحد واختلاف طبيعة وطول ولون ريشه شيء ضروري، وتنوع هذا الريش وتناغمه هو الذي يسمح لطير مجتمعنا الإنساني بالطيران والتحليق في سماء السلم والسلام والتعايش والازدهار. كل مواطن مغربي بدون استثناء مسؤول عن المساهمة في تقدم مجتمعه.

*طبيب ومحلل نفساني