تحليل

تمفصل البنيات الاقتصادية والسياسية وتطبيق المفهوم على المجتمع المغربي

عبدالسلام الصديقي

أستعير مفهوم التمفصل على المفكر والكاتب فيليم ريي PHILIPPE REY كما استعمله في مؤلفه "التحالفات الطبقية" حول تمفصل أنماط الإنتاج" وتطبيقه على البنيات الاقتصادية والسياسية. إذ من المعلوم أن التوازن المجتمعي في بلد معين يقتضي بالضرورة تمفصلا جيدا، بل ملائمة كاملة بين هذين البنيتين أو المستويين، فلا يمكن لإحداهما أن تتطور بمعزل عن الأخرى وفي استقلالية عنها.

هناك ترابط أكيد بينهما إلا أنه في الواقع، تكون دائما بنية في مستوى متقدم عن الأخرى، لأن الأمر يتعلق باتجاه معين وليس بوضعية سكونية وقارة.

ويلاحظ أن هذه الملائمة –أو التطابق- بين البنيتين يمكن أن تحدث عبر وسيلتين إما عبر آليات عفوية تتحدد بصفة طبيعية وذاتية، وهذه الميكانيزمات العفوية ربما قد تكون بطيئة كما يمكنها أن تحدث اضطرابات أو عراقيل قد تدوم كثيرا.

وإما من خلال تدخلات إرادوية في اتجاه تصاعدي أو تراجعي حسب إرادة الفاعلين السياسيين وميزان القوى الذي يتحكم فيهم ومن ثمة فالتغيير لا يعني بالضرورة التقدم إلى أمام. قد يضفي التدخل الإرادي إلى تراجع وهو ما يعبر عنه في بعض الأدبيات بالثورة المضادة.

بعد هذه التوطئة النظرية علينا أن نتساءل عن الوضع السائد في المغرب، وأي تمفصل مهيمن؟ وما هي البنية التي توجد في وضعية متقدمة عن الأخرى؟

إن التحليل المتأني للتكوينة الاقتصادية والاجتماعية بالمعنى الماركسي لهذه المقولة تدفعنا إلى اعتماد فرضية تأخر البنية السياسية على البنية الاقتصادية.

فمن جهة هناك تطور ملحوظ على المستوى الاقتصادي خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وهذا التطور واضح وضوح الشمس، وإن كان تطورا يحمل في طياته العديد من التناقضات والنواقص والاخفاقات من قبيل توسيع الشرخ بين الفئات الاجتماعية والتفاوت الصارخ بين الجهات، فالإحصائيات المتوفرة والتي يعملها الجميع تدل على ذلك ولاحاجه لمزيد من الإطناب.

ومن جهة أخرى، وعكس هذه الدينامية الاقتصادية بقيت البنية السياسية على ما هي عليه إذا استثنينا المصادقة على الدستور الجديد لسنة 2011 والذي ما زالت بعض مقتضياته حبرا على ورق، فنمط الحكامة السائد ما زال تقليديا ونوعية الفاعلين السياسيين توجد في مستوى من الرداءة يرثى له، والأحزاب السياسية منشغلة في تدبير القضايا اليومية لا تلعب دورها في تأطير المواطنين على الوجه الأمثل والنخبة السياسية تتجدد بصفة محتشمة، والإدارة بقيت سجينة الممارسات العتيقة.

وخلافا لما هو معتقد، فالسياسي هو العنصر المحدد في نهاية المطاف، فهو يشكل عائقا حقيقيا أمام التطور الاقتصادي في الوقت الراهن على الأقل.

وعليه من الضروري العمل على إدخال تغيير في الحقل السياسي للخروج من السباق الذي يهمن على الأوضاع السياسية وتحرير المبادرات للدفع بالممارسة السياسية إلى الأعلى.

ولاشك أن التدابير المعلن عنها مؤخرا بعد الخطابين الذين وجههما صاحب الجلالة للأمة بمناسبة تخليد الشعب المغربي لعيد العرش (29 يوليوز) وبافتتاح الدورة البرلمانية الخريفية (13 أكتوبر) تسيير في هذا الاتجاه.

فهذه التدابير تسعى إلى تأهيل الحقل السياسي وترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة لجعله أداة محورية للحكامة.

ومن شأن هذا التأهيل أن يعطي دفعة قوية للاقتصاد الذي بدأت تظهر عليه "علامات من العياء".

إن مسلسل التغيير انطلق ويجب السير به إلى نهايته حتى يصبح واقعا معيشا للجميع.

وحتى يتأكد جميع المواطنين من صدقيته ومصداقيته، فالمغاربة منخرطون على العموم في هذه الثورة التي أطلقتها أعلى سلطة في البلاد وهم مقتنعون على أن "الأمور لن تكون في المستقبل كما كانت عليه". نحن أمام حقبة تاريخية جديدة، حقبة حملى بكثير من الأمل، ولكن أيضا ببعض الشكوك. تلكم هي إحدى التعاليم المستخلصة من الجدلية التاريخية. والمغرب لا يمكن أن يشكل استثناء لوحده.