قضايا

التطرف في الاختلاف الفكري

هشام حمدي

داء انتشار نقص القراءة النقدية وطرح الأسئلة المعرفية، حول صحيح البخاري وإشكالية تقديسه حتى يكاد بعضهم ينزهه ويعصمه من الأخطاء وكأنه مثل إله، أصبح في ذلك المجتمع المتعلم والغير المثقف المسمى زورا وزيفا بالنخبوي والذي تجد فيه بعضهم يحمل درجة علمية وأكاديمية مثل دكتور أو طبيب أو مهندس أو قاضي أو أستاذ جامعي أو محامي أو حامل لشهادة الماجستير أو ديبلوم من مدرسة عليا، القاسم المشترك بينهم بعدهم كل البعد عن القراءة النقدية خاصة وعن الثقافة بصفة عامة لدرجة انتشرت في أجسادهم خلايا مسرطنة شقت طريقها نحو طريقة تفكيرهم التي لا تقبل ولا تتقبل الاختلاف في الرأي داخل مجتمع تم عن عمد وقصد تجهيله.

في دستور 2011 وتحديدا الفصل 25 نقرأ بأن: حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها، لذا ومن خلال هذا الفصل لا يمكنك كفرد-مواطن إلا أن تدافع عن حق رشيد أيلال صاحب كتاب نهاية أسطورة البخاري في التعبير عن رأيه من خلال كتابه الذي ينتقد فيه كتاب البخاري، إن كنت طبعا تؤمن وتعتقد أنك في بلد يحترم بعض من فقهائه ومثقفيه دستور وقوانين ومؤسسات البلاد من جهة. ومن جهة أخرى إذا كان الامام البخاري لن يُحرم من أجر اجتهاده لأنه عمل واجتهد وجمع الأحاديث فإن للإنسان أي إنسان الحق في رفض أو تأييد أو قبول أو رفض أو نقد كتاب البخاري ذاك إذا لم يَرَ فيه، أولا، ما يحقق نهضة البلاد وتقدم وتطور العباد. وثانيا، كتاب البخاري ليس وحيا إلهيا بل هو مجهود بشري يذكر ويشكر ويؤجر وثالثا من رشيد أيلال كذلك أن يجتهد فإن أصاب فله أجران وإن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد. فرشيد أيلال سواء اتفقت مع ما يوجد في كتابه أو لم تتفق فقد نجح بهذا الكتاب الذي يمكن تشبيهه بمضاد حيوي في استفزاز مناعة النقل الفقهي السلفي عموما والوهابي بالخصوص وخلاياه العقلية لتحريكها من ديدن جمودها وعادة ركودها وترهلها المعتاد التي أدت إلى فقدان للكثير من الأمور والأشياء معناها.

هناك حديث رقم 6870 أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام {96} – {5} باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع، جاء فيه : حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثني إبراهيم التيمي حدثني أبي قال خطبنا علي رضي الله عنه على منبر من آجر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة فقال: والله ! ما عندنا من كتاب يقرأ إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل؛ وإذا فيها: ((المدينة حرم من عير إلى كذا فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا))؛ وإذا فيها: ((ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا))؛ وإذا فيها: ((من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا)). في هذا الحديث يؤكد الصحابي الإمام علي (ض) أن ما يلزمنا هو كتاب الله وما في الصحيفة التي قرأها وأثبته الامام البخاري في صحيحه، السؤال هنا المفروض والواجب طرحه هو: لماذا جمع كل تلك الأحاديث في صحيحه؟!

أخيرا، الجبناء فكرياً قد تروي لهم حديثا جاء في صحيح البخاري يسيء للقرآن وللنبي ولأمهات المؤمنين {{راجع باب الحيض في البخاري: الجزء الأول ص77 - 79}}، لكنهم بدل أن يتهموا البخاري يتهمونك أنت، إن مقاومة أي تطرف أو تعصب، ديني أو فكري أو اجتماعي أو طائفي يبدأ بجهاد سلمي فكري وتحرري وتحريري وتنويري، بالرغم من غياب الوسائل وقلة الإمكانات؛ أنا واحد من جيل "الاستبلاد" الحديث، وأولئك من جيل "الاستبلاد" القديم، الاستبلاد الذي بات يرصد كل واحدٍ منا، نخرج أنفسنا من شكله القديم، فيتلقانا بشكله الحديث، نتمرد عليه في مكان، فيلهينا ونقع في حبائله في مكان آخر، نرفضه من ناحية، فيسخرنا من ناحية أخرى! نتنبه إلى جانب منه، فيشغلنا في جانب آخر، نكتشف حربا إيهامية، فيوقعنا في حرب إيهامية أخرى.... وهكذا دوما!!؟؟