رأي

أحمد إفزارن: أحزابنا لا تصنع رجال دولة

أَخْفقَت أحزابُنا في بناءِ "رجالِ دولة"، في المستوى السياسي والاقتصادي المطلوب.. فباستثناءِ قلّة، جُلّ من تسلّقُوا منها إلى هرمِ المسؤولية، خذَلُوا البلادَ والعباد..

لقد تَمَخْزَنُوا.. وهذا واضح..

وخدَمُوا أنفُسَهم ومُقرَّبيهم، هذا أيضًا واضح..

وكدّسُوا أموالاً بلا عدّ ولا حصر، على ظهرِ الشعب..

ولم يعبأوا بالمصلحةِ العامة..

وأحاطُوا أنفسَهم بعلاقاتٍ تشارُكية، لحمايةِ مصالحِهم..

وأنشأوا سياجاتٍ من الشّبكات، لتأمين حياتِهم ومُستقبلِهم، هم ومن معهم من ذويهم، والمتواطئين معهم..

كلُّ هذا لم يتوقّف عبر عقُود من المسؤولية.. فوظّفُوا المسؤوليةَ لحماية المصالح، والمصالحَ لتثبيتِ مواقعِهم في بناياتِ "كراسي القرار"..

وصاروا هم يَحكمون، وهم يُصدِرون القرارات، ويصيغُون نصوصَ القوانين، وهم يمارسون الاستبدادَ والزجرَ والتجهيلَ والتّفقير..

هُم الكلُّ في الكُلّ..

كلُّ السلطات في قبضتِهم..

والصّفقاتُ العمومية في أيديهم..

والصناديقُ تحت إمرتِهم..

يُفقرون من يشاؤون، ويُغنُون من يشاؤون..

ويفعلون ما يريدون، بلا رقيبٍ ولا حسيب..

وما زالت هذه الأحزابُ فوق القانون، بعيدا عن أيةِ مُحاسبة..

ولا حديثَ لها إلا عن القانون، والزجر، واتّهامِ غيرِهم من بُسطاءِ البلد، وعقدِ صفقاتٍ مع زبنائهم، تحت غطاءاتِ الاستثمار، وحلِّ مشاكل البلاد، لا بمُبادرات أو حُلول، بل فقط بمزيدٍ من القُروض..

وأغرقُوا البلادَ في قروضٍ تلوَ قروض..

ولم يُبقوا للبلاد حلولا..

وللأجيالِ الصاعدة أيَّ متنفَّس..

وشغَلوا الناسَ في طول البلاد وعرضِها بألوانٍ وأنواعٍ وأحجامٍ من الفساد..

وأعادُوا بلادَنا إلى الخلف..

دائما نحنُ في مؤخرة العالم..

هؤلاء هم "رجالُ الدولة"، بمفهُوم أحزابنا..

وأغلبُهم بعيدُون بُعدَ السماءِ عن الأرض، عن المفهومِ الدولي لرجال الدولة..

العالمُ يبني "رجالَ الدولة" بمفهومٍ يخدمُ المصلحةَ العامّة، بينما أحزابُنا تبنِي انتهازيين بأنواعٍ وأشكال..

ورجُلُ الدولة، المنبثقُ عن حزبٍ مُناضلٍ ناضِج، له مواصفاتٌ إيجابية، فعّالة، على مستوى حقوق الإنسان، وحقوق البلاد، والواجباتِ تُجاهَ الوطن والمواطن..

رجلُ الدولة عندهم يتّخذُ القرارّ المناسب، في الوقتِ المناسب.. وعندنا يفتقدُ المبادرة، وينتظرُ من يُملي عليه ما يتوجّبُ أن يفعل..

هناك، له سرعةُ التفكير، والقُدرة على الرّبطِ بين الأحداث، ومن ثمّةَ التمكُّن من حُسن التحليلِ والاستنتاج، واتخاذِ القرارِ السليم، في الوقتِ المناسب، لا قبلَ فواتِ الأوان..

وهُنا، عندنا، لا كفاءة، لا مُبادرة..

والعقلُ مُنشغلٌ بالصفقاتِ والبيعِ والشراء..

ثم البُعدُ عن تصريف الشؤون المحلية والعمومية، والعجزُ عن إيجادِ حلولٍ لمشاكل المجتمع، والتّراخي والتماطُلِ في تطبيق القانون..

- والرشوةُ فوقَ القانون!

وهذا أسلوبُ المتسيّسين الانتهازيين، وهم كُثُر في أغلبِ الأحزاب..

ويُمارسون الاختلالَ عندما يتقمّصُون شخصيةَ السياسي، وشخصيةَ الاقتصادي..

ويخلطُون بين كل شيء.. وكلّ المواقع..

وينتظرُون الأوامرَ من سُلطة الوصاية..

وهم دومًا في عجز تامّ عن مواجهة أية أزمةٍ سياسية أو اقتصادية، ولا يستطيعون وضعَ استراتيجياتٍ إنقاذية لإخراج الوضع من المأزق، ولو بأخفّ ضرَر..

- أهؤلاء رجالُ دولة؟

ومن شدة الانشغال في البيع والشراء، في شؤون البلاد، يفتقدُون الاستقامة، والتفكيرَ المنظَّم، والقدرةَ على إنتاج حلول، ورؤية مستقبلية جادّة..

إنهم أيضا يفتقدون حُسنَ تدبير واستثمار المواردِ البشرية، والمعرفية، والمالية، والوعي الضروري.. يفتقدُون كلَّ ما قد يجعلُهم قُدوةً لمن قد يَخلُفونهم..

ولكنهُم ليسوا قُدوة..

ولا يعبأون بخدمةِ البلد..

ولا بخدمة الأجيالِ الصاعدة..

هم سرطانٌ في المجالس والبرلمان والحكومة، وأيضا في الأحزاب، من المهدِ إلى اللحد..

سرطانٌ حزبي على كراسي نُخبوية متوارثَة، هم جاثمون عليها منذ عقود..

فيروساتٌ حزبية تعيشُ على ظهر فقراءِ البلد، ولا تكُفُّ عن الضحك على ذُقون المواطنين..

وما زالواُ يحسبُون أنفُسَهم أذكَى الناس..

وهذا ما يعتقدُه أغبياء..

وما أكثرَهم في أحزابِ الضلال!

ولو كانت أحزابُنا فب مستوى الأمانة، لأدركت كيف تتدخّل، في الوقتِ المناسب، لحمايةِ بلدِنا من هزّاتٍ وقَعْنا فيها..

لكنّها دومًا جانحةٌ إلى سُباتٍ عميق.. تنتظرُ ما يُمليه عليها "سيادةُ المخزن"..

وعلى العموم، هي إما نائمة، أو مُنوّمَة!

ifzahmed66@gmail.com