قضايا

عن قانون العاملات والعمال المنزليين

عادل المعروفي


إن تغير وتطور الظروف الاقتصادية والاجتماعية بات يفرض على كل بلد أراد مجاراتها تحديث هياكله الاقتصادية الداخلية وملاءمتها بشكل يضمن له مسايرة هذا الركب الاقتصادي والاجتماعي. ووعيا منه بثقل المنافسة الاقتصادية انخرط المغرب منذ أوائل التسعينيات في إرساء دعائم نظام اقتصادي حديث وعصري؛ ولتحقيق هذا الهدف كان لزاما عليه تحديث المنظومة القانونية وتحيينها حتى تتلاءم والظرفية الدولية الخاضعة لقوانين العولمة (1).

بعد عناء طويل تمت المصادقة على القانون رقم 19.12، المتعلق بتشغيل العاملات والعمال المنزليين، الصادر بتاريخ 22 غشت 2016؛ وذلك من أجل تجاوز غموض الوضع القانوني للعمل المنزلي سابقا، والمتمثل في انتشار بعض الظواهر السلبية لتشغيل القاصرات، والذي ينعكس سلبا على النمو العقلي والجسدي لهؤلاء الطفلات اللواتي أصبحن ضحايا للاستغلال، نظرا للطبيعة السرية للعمل المنزلي وصعوبة مراقبة تشغيلهن.

وعلى الرغم من إيجابية هذه الخطوة، إلا أن القانون 19.12 لقي انتقادات كثيرة من لدن المنظمات المدافعة عن حقوق الطفل ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، خاصّة النقطة المتعلقة بالمراقبة التي أفرد لها المشرع الباب الخامس من المادة 22 إلى المادة 25.

وعلى الرغم من أن القانون ينص على "وجوب تلقي الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل الشكايات التي تتقدم بها كل من العاملة أو العامل المنزلي ضد المشغل أو المشغلة..."(2)، إلا أن الفقرة الثانية من المادة نفسها تنص على أنه "يستدعي مفتش الشغل الطرفين للتحقق من مدى تطبيق أحكام هذا القانون"(3).

وفي ظل الانتقادات التي توجه بين الفينة والأخرى للضعف الذي يعرفه جهاز تفتيش الشغل، سواء من خلال تعدد الوظائف والمهام الموكولة بهذا الجهاز والنصوص القانونية المكلف بمراقبة تطبيقها، أو من خلال الأعداد القليلة التي تضطلع بهذه المهام، نجد هذا القانون محل هذه القراءة قد أولى مهمة أخرى هي السهر على مراقبة تطبيق أحكام هذا القانون إلى جهاز تفتيش الشغل.

وقد تم حصر نطاق تدخل مفتش الشغل بموجب المادة 22 من القانون في القيام بتلقي الشكايات من قبل أطراف العلاقة الشغلية، والسهر على إجراء عملية التصالح بين الطرفين؛ وهو ما يبين أن القانون يخلط بين المهام التصالحية لمفتش الشغل والمهام الرقابية التي تفترض وقوف مفتش الشغل على المخالفات التي قد يقترفها المشغلين في حق العمال المنزليين، كتشغيل المشغل لعمال منزليين في أشغال تشكل مخاطر قد تضر بصحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي(4)؛ في حين أن مدونة الشغل (5) في المادة 530 خولت لمفتش الشغل سلطات مهمة ووسائل وإمكانيات حتى يتسنى له القيام بوظيفته في رقابة مدى تطبيق لقواعد قانون الشغل.

كما أن جهاز تفتيش الشغل يكتسي أهمية بالغة، تظهر من خلال كونه مؤسسة اجتماعية تعمل على تطبيق قانون الشغل وتسهر على استقرار العلاقات الشغلية؛ وذلك علاوة على تمكين الحكومة من الوقوف على الوضعية الحقيقية لسوق الشغل، حتى يتسنى لها إعداد السياسات العمومية الفاعلة في مجال الشغل والتشغيل. كما تظهر أهمية تفتيش الشغل عبر اعتماد منظمة العمل الدولية في تفعيل مقرراتها في مجال صحة وسلامة الأجراء وتحسين ظروف العمل على جهاز تفتيش الشغل (6).

وتعتبر المهمة الرقابية أهم اختصاص قانوني يضطلع به جهاز تفتيش الشغل، الجهاز المكلف حسب ما تقضي به المستويات الدولية والتشريعات الوطنية بكفالة تطبيق الأحكام القانونية المتعلقة بالشغل، من قبل الجهات المخاطبة بأحكامها. وهذا هو المقصود بوظيفة الرقابة التي تناط بجهاز تفتيش الشغل.

وبخصوص مسطرة التفتيش في قانون 12.19 فقد حصر المشرع دوره في أن مفتش الشغل يستدعي الطرفين للتحقق من مدى تطبيق أحكام هذا القانون، إذ لا يمكنه أن يقوم بزيارات ميدانية، أي إلى مكان العمل، للتحقق من مدى مراعاة تطبيق العقد للبت في الشكايات، ولا يمكنه الولوج إلى المنزل، خاصة في غياب رب الأسرة (7).

وبالرجوع إلى مدونة الشغل المغربية نجد أنها جاءت ببعض المقتضيات في هذا الصدد، إذ تعتبر الزيارات من أهم الآليات المخولة للعون المكلف بتفتيش الشغل، وهي آلية نصت عليها الاتفاقيتان الدوليتان رقم 81 و129، كما نظمتها مدونة الشغل عندما خولت للعون المكلف بتفتيش الشغل صلاحية القيام بزيارات تفتيشية للمؤسسات الخاضعة لنطاق رقابته، وكذا إجراء جميع الأبحاث والتحريات التي يراها ضرورية للتأكد من مدى احترام المقتضيات القانونية. وسنتطرق بداية للأساس القانوني للزيارات التفتيشية، ثم لصلاحية البحث والتحري.

صلاحيات العون المكلف بتفتيش الشغل في مجال المراقبة التقنية التي يضطلع بها هي في معظمها نابعة من ميدان حفظ الصحة والسلامة. ذلك أن النصوص التي جاءت في هذا المجال تتعلق بتحديد تقني خاصة في ما يتعلق بأجهزة الوقاية من الحرائق، والإنارة، والتدفئة، والتهوية والتخفيض من الضجيج، ومدى موافقة المواد المستعملة للتركيبات القانونية التي لا تضر بصحة الأجراء أو تعرض سلامتهم للخطر(9).

لأجل ذلك كان تدخل مفتش الشغل لازما لضمان سلامة وصحة الأجراء، من خلال السهر على مراقبة التدابير المتعلقة بقواعد الصحة والسلامة، ومدى التزام أرباب العمل والأجراء بمعاييرها.

وفي هذا الإطار وطبقا لمقتضيات المادة 533 من مدونة الشغل، فإن جهاز تفتيش الشغل لازالت تعتريه عدة معيقات تحد من فعالية تدخله في القيام بدوره الرقابي على الوجه الأمثل؛ فبخصوص الزيارات التفتيشية التي ينجزها أطر جهاز تفتيش الشغل، ما يمكن ملاحظته هو غياب الإشارة إلى زيارات مفتش الشغل للقيام بمهامه في إطار القانون 19.12، وهو ما يشكل نقطة ضعف تسجل على هذا القانون، خاصة أن العاملة أو العامل يشكلان الحلقة الأضعف في حالة نشوب نزاع.

وفي ظل غياب وسائل الإثبات الملموسة التي يمكن تسجيلها في محاضر مفتشية الشغل أثناء القيام بزيارات ميدانية لمكان العمل، فإن مهمة السهر على تطبيق القانون 19.12 ومراقبته تعتبر الوظيفة الأساسية لجهاز مفتشية الشغل، الذي أصبح تدخله محدودا، بل يكاد يكون منعدما.