قضايا

طفولة المغاربة .. "حكرة" وكرامة مبعثرة

الدكتور: جواد مبروكي

العلاقات المغربية كلها مبنية على علاقة مُدمِّر/ مُدَمَّر! مثلاً بين الزوج والزوجة "كُلْ واحْدْ كَيْشوفْ الآخر مَكَيْعْرْفْشْ بْحالو" أو "شوفْ رّْجّالة كِدايْرينْ" أو"شوفي لَلِّيّاتْكْ، الزّينْ وْالدّْراعْ"، وحتى بين الإخوة "كُلْ واحْدْ باغِي يْبانْ عْلى لاخورْ".

إن المغربي يواجه، منذ طفولته، القمع و"الحكرة" والسب والضرب ومقارنته سلبيا بالآخرين: "شوفْ سْيادْكْ كِدايْرينْ". وعند كبره، الحال نفسه: إذا ذهب إلى المستشفى وبالرغم من أنه مريض فلا يظفر بالاحترام المطلوب، وإذا ذهب إلى إدارة يجد نفسه كالمتسول "الله يْرْحْمْ الوالِدينْ اِلا مَتْشوفْ لِيَّ هاذ الوْرِقاتْ". وحتى إذا توجه إلى مكتب الكهرباء أو خدمات الهاتف لا يظفر بأدنى احترام كزبون و"يْخْصّو يْصْبْرْ وْيْرْغْبْ باشْ يْعْطيهُمْ الفْلوسْ" "واشْ مَشي هذا هو الدّْلْ بْعْيْنو؟"! وحتى في استعمال الطريق لا يجد رصيفا يرحب به ولا حقّ له في المرور!

وهذه ليست إلا بعض الأمثلة البسيطة، وكلها رموز تُذكره بِـما تعود سماعه منذ الصغر: "أنْتْ كِوالو ومَغَدي تْكونْ حتى شِحاجَة وْغَدي تْموتْ وْتْدّْفْنْ فْمْقْبَرَة فِها الدّْحاسْ، وْقْبْرْ فوقْ قْبْرْ، وحتى في موتْكْ مُدمَّر ومُدمِّر، عْشْتِي ضايْقْ وْمْضْيّْقْ حْتّى فْموتْكْ".

لماذا المغربي يتقبل هذه "الحكرة"؟ كيف لإنسان تُبعثر كرامته وتنتهك حقوقه ويستمر "حانِي الرّاسْ"؟

الأمر خطير جدا؛ لأن المغربي "دْماغو تْفْلاشا وتْفورْمَطا عْلى خَصّو يْدْمّْرْ ويْرْضى بالتّْدْميرْ"، ولم تعد له أي قدرة للتحليل والنقد.. ولهذا، لا يستطيع الخروج من هذه الوضعية!

أول آلة للتدمير يستعملها كل مغربي هي "الاستهزاء المُزمن" ولا يعرف حتى التسلية من غير "شي كَيْقْشّْبْ عْلى شي وْشي كَيْضْحْكْ عْلى شي"، ونسمع دائما "دْوّْزْنا واحْدْ الليلة واعْرَة شْدّينا فْ عمر، الموتْ دْيالْ الضّْحْكْ". عجبا حتى في التسلية يُدمِّر المغربي أخاهُ المغربي، "الحُكْرة، وْشي كَيْحْكْرْ عْلى شي حتى فْالتّْقْشابْ"!

إن المغربي كيف ما كان مستواه الاقتصادي أو الثقافي أو حتى أيا كان دينه أو معتقده فهو يجهل آلية "التشجيع"، بالرغم من أنه يعتقد أنه يُشجع ولكن في الواقع يُدمِّرُ كل من يشجعهم! وهذا من أهم أسباب غياب مفهوم الاحترام والاعتراف بوجود الآخر وحريته الدينية والوصول إلى ثقافة التعايش في الاختلاف.

هذا النموذج مُدمِّر/ مُدَمَّر هو سبب:

- النزاع بين أفراد العائلة الواحدة ولو كان أفرادها كلهم على دين واحد.

- الحقد السائد والحسد والمنافسة "كُلْشِي بَغِي يْكونْ أحْسَن مْنْ كُلْشِي" و"كُلْشِي بَغِي يْبانْ".

- النَّميمة أو الغيبة، وهذا أمر عجيب! بالرغم من أن كل الديانات تحرمها؛ فإننا نجد النَّميمة أو الغيبة سائدة في مجتمعنا المغربي وعند معتنقي مختلف الديانات بدون استثناء! حتى الأديان القديمة والحديثة لم تستطع أن تُخرج المغربي من دوامة علاقته مُدمِّر/مُدَمَّر!

- عدم الثقة في الآخر و"كُلْشي حاضِي راسو وْرادّْ البالْ"

هذا هو واقعنا المرير وأنا واع تماماً بتعليقاتكم وكيف ستكون نوعيتها ولكن "هِمَتْقْصّْروشْ مْنْ جْهْدْكُمْ"؛ لأنني مُدَمَّرٌ وفكري مُدمَّر ولا يزال يُدمَّر إلى حد الساعة. وباعتباري محللا خَبِر بواطن الأمور أتقاسم معكم تحليلي، وهو أن "المغربي وهو يُدمِّر الآخر، فهو يُدمِّر نفسه بيده وصار يشعر بالمتعة في هذا التدمير الذاتي"!

بطبيعة الحال، تسألونني عن الحلول؛ ولكن تنسون بأنني مغربي مثلكم.. ولذلك، الحلول ليست بيدي بل هي بأيادينا جميعا، فإذا لم نجلس جميعاً حول مائدة واحدة ونعترف بتركيبة فكرنا ونتقبل تنوعنا واختلافنا وأننا جميعاً سواسية وعلينا أن نتشاور في الحلول متجردين من "كُلْشي باغِي يْفْهْمْ عْلى كُلْشي"، وإلا فسنستمر فرداً فرداً غارقين في نموذج ثنائية مُدمِّر/مُدَمَّر!

*طبيب ومحلل نفساني