قضايا

نعت الآخر بـ"ولد الحرام" .. هكذا ينخر الحسد قلوب مواطنين مغاربة

الدكتور: جواد مبروكي

"شْفْتْ وْلْدْ الحْرام عْلى دارْ شْرى؟"، "شْفْتْ ولد الحرام ديما ضاحكْ"، "بيخير عليه ولد الحرام"، "شْفْتي بنت الحرام عْلى تْكْشيطا لَبْسَا"... لا أعرف مغربياً من أي مستوى اجتماعي كان أو من أي خلفية دينية لا يستعمل هذه العبارات، والكل يُثني عليها ولا أحد يجدها تعبر على الحسد والحقد. فعن أي شيء يُعبر عنه المغربي بهذه العبارات؟ ولماذا يستعملها؟ وما هي الدوافع لاستعمالها؟

1- معنى "ولد الحرام"

"ولد الحرام" يعني الطفل غير الشرعي. ما ذنب هذا الطفل؟ هل هو ضحية أم مُجرم؟ ولماذا العرب تعودوا الإساءة إلى هذا الطفل بِـ"ولد الحرام"؟ هل لأنه يذكرهم بِـ"المتعة الجنسية الحقيقية في المِخيال"؟ المغربي تعيس في حياته الجنسية وينظر إلى هذا الطفل ليس كإنسان وإنما كـ ثمرة علاقة جنسية "حُرة"، ويَحسدُ في باطنه والدَيْ "ولد الحرام" فينتقم من الطفل البريء!

2- المقاربة بين "ثمرة الجنس غير المقيد" و"من يملك شيئا جميلا أو ثمينا"

المغربي يستعمل عبارة "ولد الحرام" للتعبير عن الطفل غير الشرعي، ويستعملها كذلك في مقام آخر للتعبير عن فرد له محاسن أو ثروة "بنت الحرام عْلى زينْ عْندها" أو "ولد الحرام شْرى طوموبيل دوبْلْفي"....

يعتبر المغربي أن كل ما يملكه الفرد من ثروة وجمال وكمال هو "ثمرة" فاز بها بمفهوم "صْدْقاتْلو وْ عْطاتو الدنيا"، ويحسده عليها بدون اعتبار أن هذه ثمار طبيعية كالجمال والصحة. أما المال يمكن اكتسابه وتحقيقه بـالعمل والذكاء والعناية. وهذه الثمار يُحسد عليها صاحبها كأن كل ما يملكه الفرد هو غير شرعي وهذا يبرر جميع الحقوق والمبررات التي يعطيها الحاسد للحقد عليه.

3- لماذا يستعمل المغربي تعبير "ولد الحرام...؟"

الحقد والحسد ينخران في وجدان المغربي، أيا كان دينه وأياً كان مستواه الاجتماعي و الثقافي. وبطبيعة الحال عود نفسه على أن لا يعترف بحقيقة هذا الشعور! وعندما يجد نفسه يتألم من الحسد والحقد، وهما منافيان لمبادئه الدينية والأخلاقية، فيقلب كفة الميزان ويتهم المحسود بأنه هو سبب عذابه وتناقضه فينتقم منه بِـ"ولد الحرام".. بمعنى أن ما لديه "لا أريده" لأنه حرام! والمغربي يكذب على ذاته وفي الواقع يريد أن يكون محل المَحسود. وهذا يذكرنا ببعض الأمثلة الشعبية "لِمَلحْقْشْ للعِنْبْ يْقول حامض" و"تفو عليك وعيني فيك".

4- أسباب تكوين الحسد والحقد بداخل المغربي

- التربية العُنفية وغياب التشجيع: التربية المغربية تعج بألوان العنف اللفظي والمعنوي والجسدي، سواء بالمنزل أم في المدرسة؛ فالآباء هم في مقدمة الذين ُيشبعون الطفل بعبارة "أجي أوْلد الحرام" قبل أن يتعلم حتى النطق. وكم يتألم الطفل كثيرا عند كبره حينما يدرك معنى هذه العبارة وما تحمله من دلالات. فإذا المنزل والمدرسة يشكلان الفضاء الأول الذي تقع عليه مسؤولية بناء توازن شخصية الطفل يتحولان إلى فضاء يقهره بهذه العبارة القدحية وأمثالها فكيف لهذا الطفل أن لا ينتج النموذج نفسه مع الجميع؟

- التحفيز على المنافسة وغياب الأعمال التشاركية: نموذج التعليم مبني حصرياً على المنافسة والأنانية "أنا الأول بْعدا وْالآخرين دْبّْرَّاسْهُمْ" مع التغييب التام للعمل الجماعي الضروري لتكون النتيجة جماعية حتى يتعلم الطفل أنه مسؤول على خدمة المجتمع. في المنزل كذلك يحفز الآباء أطفالهم على التنافس والفوز بالمرتبة الأولى الأول في القسم. حتى أنه حينما يعلن الطفل عن نقطته (مثلا 14) تسأل الأم "وْشْحالْ النقطة الأولى؟ وتسمع الأم ترفع صوتها وتردد "ولد الحرام" و "اِوا شوفْ سْيادْكْ لِكَيْقْراوْ مْزيان". وهكذا يشعر الطفل بالحسد والحقد منذ مرحلة مبكرة ضد من حصل على نقط عالية حتى لو كان أعز زملائه.

- الحكرة: سائدة في مجتمعنا والطفل يترعرع داخل هذا المناخ المحبط، ويتصور الطفل أن المجتمع هو الذي يمارس الحكرة على عائلته. ومن هنا، نرسخ ثقافة الحسد والحقد على كل من يمتلك شيئا ثمينا "صحة، أطفال نجباء، دار، جمال، سيارة، ثروة....."

- قْفْزْ وْ دْرْبْ يْدّيكْ: "شْفْتْ وْلدْ الحرام، عْفْريتْ وْقافْز وْعْرْفْ كِيْضْرْبْ يْدُّو". وهذه المقارنة الرديئة تولد عند كل من الطفل والشاب الناشئ مشاعر سلبية و تحولهما إلى مصانع للحسد والحقد.

- التربية الدينية: لقد غاب الفهم الصحيح للدّين وأصبح الطفل ينشأُ مع ثقافة "هذا حرام" و"حرام عليك" و"غَدي تْمْشي للنّار". في الوقت نفسه يرى الطفل أن سلوك والديه متناقضة تماماً مع مواعظهما! لذلك على التربية الدينية أن تزرع المحبة والحس بالانتماء للمجتمع وخدمته وأن كل المجتمع عائلة واحدة.

- الإعلام وحلم الشهرة: الإعلام بدوره يرفع من شأن هذا وذاك حسب مستوى شهرته ويسلط الأضواء على شخصه وقشور حياته وليس على عمله وإنجازاته الفعلية. والحديث على الشخص والتركيز على شهرته يعزز صخب المنافسة ويهيج مشاعر الحسد والحقد "ولد الحرام صْدْقاتْلو".

إن غياب التربية الإيجابية من لدن الآباء وعبر فضاء المدرسة والدّين والتي كان من المفروض عليها أن تكون قائمة أساساً على العمل التشاركي ومرافقة الطفل لـ تكوين شخصية متوازنة وإشباعه بالحس للانتماء المجتمعي والسعي إلى تطوير قدراته والرفع من مستوى الأخلاقية والروحانية والذهنية لديه، تركت الأرضية فارغة، فتراكمت عليها سموم "الحسد والحقد".

*خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي