تحليل

خطوات رئيسة في تحقيق السلام الإفريقي

عدي الهيبة

لا يمكن للعالم أن يعود إلى إفريقيا ليواصل عملية الاستنزاف والاستغلال البشع لمؤهلاتها الطبيعة وخيراتها ويتركها بعد ذلك تواجه مصيرها المظلم وحيدة. لذلك بات من واجب العالم الغربي(خصوصا أوروبا) اليوم أن تنكب بشكل جدي على معالجة قضايا مخلفات زمن الاستعمار من قبيل اللاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني والهشاشة الاجتماعية القاتلة بالعديد من مناطق القارة الإفريقية، وهو ما سيشكل مساهمة فعالة في تحقيق قيم السلم والأمن والتنمية كشروط ضرورية وحيوية ليحل السلام وسط الشعوب الإفريقية ويتحقق مدخل مهم من مداخل الاستقرار العالمي.

1- من باب الإحساس بالمسؤولية التاريخية والأخلاقية والإنسانية تجاه الشعوب الإفريقية والعمل على محاولة جبر الضرر والتعويض المعنوي والمادي عن ماسي زمن الاستعمار.

2- الحاجة الملحة لمعالجة مشاكل القارة الإفريقية وأزماتها العابرة للحدود فمستقبل أوروبا وأمنها واستقرارها مرتبط باستقرار العديد من الدول الإفريقية التي تعيش تحت وطأة الانتشار الواسع للأمراض الخطيرة والفتاكة (إيبولا) والجماعات الإرهابية (بوكو حرام، القاعدة، داعش...) التي وجدت في المناطق الإفريقية بيئة مواتية والهجرة غير الشرعية ونزوح الملايين من السكان هربا من مناطق النزاع والحروب العرقية والدينية والإثنية والحدودية نحو أوروبا والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر، وتجارة الأسلحة والمخدرات وغسيل الأموال والقرصنة ودفن النفايات الخطيرة.

هذه المشاكل وغيرها، أصبحت تشكل واقعا صعبا لم يعد ينهك القارة وشعوبها ودولها ومؤسساتها فقط، بل يهدد مستقبل العالم والبشرية بشكل أوسع، فالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المضطرب والعنيف في العديد من مناطق القارة (منطقة القرن الإفريقي، السودان، ليبيا، مالي، الكونغو، إفريقيا الوسطى) بسبب غياب السلام والأمن والاستقرار يحد ويهدد كل الإمكانيات والفرص المتاحة أمامها للتنمية وتعزيز مسار الانتقالات الديمقراطية مما أصبح يحتم تضافر الجهود والبحث عن الحلول ووضع مستقبل القارة ضمن أولوية أجندة المنتظم الدولي.

هذا الواقع له أسباب وعوامل عديدة مرتبطة بالشروط السياسية والثقافية والاجتماعية والتاريخية التي تحكمت في إنتاج الأنساق والبنيات الاجتماعية التي تشكل النسيج الاجتماعي والسياسي للدول والمجتمعات الإفريقية اليوم وشروط التنشئة الاجتماعية للفرد- المواطن داخل هذه البنيات الاجتماعية والثقافية، فالطبيعة الاجتماعية المفككة إثنيا تعرقل عملية التجانس الاجتماعي وتجعل من دينامية الاندماج المجتمعي مهمة صعبة، مما ينتج أزمات بنيوية كما هو الحال بالنسبة للوضع بالسودان، ومالي والنيجر، والامازيغ في تيزي وزو بالجزائر والصراعات الإثنية والقبلية في تشاد... وهي كلها مظاهر ناتجة عن الإرث الاستعماري الذي لم يحترم أنثروبولوجية المجتمعات المحلية في عمليات البناء السياسي لسلطة الدولة، مما يؤدي في غالب الأحيان إلى سيطرة أشكال محددة للهيمنة الإثنية أو الجهوية على الحياة السياسة في كثير من الدول، أضف إلى ذلك اختلال عملية العدالة التوزيعية (اجتماعيا، اقتصاديا وسياسيا) مما يفرز حالات من الإحباط السياسي التي تخلق الرغبة الدائمة للمطالبة بالحقوق والاعتراف عن طريق التمرد والعنف خصوصا في ظل غياب شبه تام للمؤسسات السياسية وآليات الوساطة السياسية والطرق السلمية الحضارية.

كما توجد عوامل أخرى موضوعية ترتبط بسياقات ماقبل بناء -الدولة الوطنية الإفريقية لحظة الاستعمار ومانتج عنها من استنزاف ممنهج لكل الإمكانيات الاقتصادية والسياسية والثقافية، والتي خلقت حالة من الاضطراب المستمر وعدم الاستقرار والتبعية الدائمة للدول الاستعمارية، والإنهاك الكلي لكل الإمكانيات والقدرات الوطنية للدول الإفريقية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية.

ومما يزيد من مسؤولية المنظومة الدولية اليوم هو الانتشار الواسع للجماعات الإرهابية وتصاعد المد الإرهابي بالمنطقة مستغلا حالة الضعف والانهيار الأمني والسياسي وبروز الدول الهشة والضعيفة مما يفسح المجال لسيطرة الجماعات الإرهابية جماعة بوكو حرام نموذجا، وغياب أدنى مستويات الحياة للأفراد وغياب مفهوم الدولة والمؤسسات وحالة الهشاشة والانشطار الاجتماعي والثقافي المسبب للازمات الهوياتية المحلية والوطنية وانتشار العنف البنيوي وصعوبة بناء الدولة الوطنية الإفريقية القوية (مالي، السودان، ليبيا).

لهاته الأسباب يظل التزام العالم قائما أمام شعوب القارة الإفريقية في إحلال السلم والسلام ولا يمكن أن تمر أي عملية بناء سلام إفريقي حقيقي إلا من خلال الالتزام بتفعيل الخطوات والإجراءات الضرورية.

لذلك فإن بناء السلام الإفريقي يجب آن يمر عبر المجموعة الدولية، الأمم المتحدة، مجلس الأمن، الاتحاد الأوروبي (وتحمل مسؤولياتها الأخلاقية تجاه شعوب هذا الجزء من الأرض التي ساهمت في بناء العالم بثرواتها ومواردها البشرية.

هذا بالإضافة إلى دعم المؤسسات الإفريقية والتي تعمل على حماية السلم والأمن وحل النزاعات خاصة منظمة الاتحاد الإفريقي ومؤسساته العاملة في مجال حماية حقوق الإنسان والسلم والأمن.

كما أنه لابد من وضع خطط وبرامج دولية لمحاربة الإرهاب والتطرف، وتجفيف منابعه وذلك من خلال إشراك الدول المعنية ودعمها بالوسائل المادية واللوجيستية وتشجيعها على وضع سياسات اجتماعية فعالة قائمة على عنصر الحماية والوقاية من أسباب التطرف والعنف.

ولابد أيضا من دعم تجارب الانتقال الديموقراطي، وتشجيعها من خلال دعم آليات المشاركة السياسية و التداول السلمي على السلطة والحكم ) الحالة الليبية والمالية (فمن الصعب جدا بناء عمليات السلام بدون دخول الدول المظطربة سياسيا والأطراف المتصارعة في عملية توافقات سياسية وطنية وبالتالي بناء انتقالات ديموقراطية حقيقية كتلك التي وقعت في أوروبا الشرقية وجنوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

أضف إلى ماسبق الدعوة إلى حل النزاعات الإقليمية والحدودية عبر الطرق السلمية، خصوصا تلك الموروثة عن حقبة الاستعمار والتي تشكل أحد أهم مصادر عدم الاستقرار والحروب وما ينتج عنها من مآسي إنسانية تهدد السلم والأمن الدوليين، وبالتالي أصبح من الضروري حلها في إطار احترام مبادئ القانون الدولي وفق مساطر حل النزاعات الشيء الذي سيجنب القارة العديد من المشاكل المرتبطة بإشكالية ترسيم الحدود خصوصا.

وأخيرا دعم المنظمات الدولية والوطنية العاملة في مجال السلام والتنمية المستدامة، وتقوية أدوار المجتمع المدني إلى جانب المؤسسات الرسمية، وتزويده بالإمكانيات والأدوات اللازمة للاشتغال، ففي ظل غياب مجتمعات مدنية محلية قوية تساهم في التوعية ونشر قيم الحوار والسلام وكل القيم الانسانية الكونية، وتساهم في تأطير المواطنين يبقى عمل المؤسسات الرسمية الضعيف والغير الموجود في بعض الأحيان غير كاف لتأهيل المجتمعات الإفريقية لممارسة حقوقها المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية بعيدا عن العنف والتعصب والإرهاب.