تحليل

قراءة نقدية في مشروع القانون - الإطار للتربية والتعليم

عبد المطلب أعميار

بالإعلان عن مشروع القانون-الإطار رقم 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، والمندرج في إطار "الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030"، نكون أمام حلقة جديدة من حلقات إصلاح التعليم ببلادنا. وهي الحلقات التي أكدت، على امتداد عقود من الزمن، منذ مطلع الاستقلال إلى يومنا هذا، فشل المشاريع الإصلاحية التي تم اعتمادها من أجل النهوض بأوضاع التعليم التي تزداد تأزما مع مرور السنوات.

واليوم، حيث يخرج مشروع القانون- الإطار في سياق الوضع العام، الذي تعرفه المنظومة التعليمية، والموسوم بالعديد من مؤشرات الفشل والأزمة، وهو ما تم إقراره في مناسبات عديدة، نكون أمام مشروع جديد يعلن نيته في الانخراط في "مدى زمني" يتلاءم "مع الممارسات الوطنية والدولية المتعلقة بزمن الإصلاحات التربوية الاستراتيجية". وتفاعلا منا مع مضامين وتوجهات هذا القانون- الإطار نوجز بعض الملاحظات النقدية المرتبطة بهذا المشروع، الذي يحمل في طياته العديد من النواقص التي تسائل أهليته لربح رهانات الجودة والارتقاء والإنصاف.

سياق بدون تشخيص

لم يتوقف "سياق المشروع واعتبارات وضعه" على التشخيص الفعلي لوضعية التعليم بالمغرب، إذ اكتفى مدخل المشروع بالإحالة على "أحكام الدستور ذات الصلة بمجال التربية والتعليم والتكوين"، وعلى "الخطب الملكية (خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب 2012 و2013، وافتتاح الدورة التشريعية الخريفية لسنة 2014، وخطاب العرش 2015..). وعوض أن يستحضر مكامن الأعطاب والاختلالات المرتبطة بالمنظومة التعليمية، والإحالة على التقارير الوطنية والدولية ذات الصلة بالموضوع، تجرد مشروع القانون- الإطار من الاعتبارات الحقيقية التي استلزمت وضعه في السياق الراهن، مما يسائل قدرته العلمية، والمعرفية، والإجرائية على تجاوز هذه الاختلالات في المدة الزمنية المعلنة لتنفيذ هذا المشروع. كما يسائل بالمثل سلم أولوياته، ورهاناته الفعلية للنهوض بأوضاع التعليم، بل إن المشروع الحالي يضع نفسه حتى خارج السياق الدستوري الجديد، حيث ما زال النص يتحدث عن "مواصلة تفعيل اللامركزية واللاتمركز في تدبير المنظومة على المستوى الترابي" (المادة 37) دون التنصيص على مقتضيات ورهانات الجهوية المتقدمة كما يتطلع المغرب لبنائها، وإمكانية ربطها، بشكل فعال ومنتج، بالمشروع الإصلاحي الجديد.

قانون –إطار يستند على ميثاق فاشل

وإذا كانت الرؤية الاستراتيجية تقتضي إعادة صياغة مشروع وطني متكامل بناء على الاختلالات المسجلة في قطاع التعليم، والتي تراكمت منذ سنوات على الرغم من إطلاق المخطط الاستعجالي، فإن المفارقة المسجلة هي التنصيص على أن مشروع قانون الإطار الجديد يعتمد على "مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بوصفه لا يزال يمثل إطارا مرجعيا للإصلاح"، على الرغم من كون الميثاق الوطني، الذي عمر ما يقارب العقدين من الزمن، لم يحقق النتائج المرجوة منه، ولم يفلح في تأهيل المنظومة التعليمية ببلادنا.إذ كيف يمكن بناء مشروع استراتيجي جديد استنادا على مشروع تربوي وتعليمي أثبت فشله ميدانيا على مستويات عديدة؟. ففي زمني الميثاق، والمخطط الاستعجالي، ازدادت أحوال التعليم تدهورا، وما فتئ ترتيبنا الدولي في تراجع مستمر، سواء على مستوى تحصيل المعارف الأساسية، أو المهارات والمدارك اللغوية، أو على مستوى تحقيق جودة التعليم ونجاعته، أو على مستوى تعميمه، أو ربطه بالتنمية. ناهيك عن تدهور غير مسبوق في منظومة القيم، وتكافؤ الفرص...

تحديدات مفاهيمية بعيدة عن لغة القانون-الإطار

وإذا كان كل نص قانوني ذي أبعاد استراتيجية تحدد مسارات التشريع المستقبلي المرتبطة به يفترض لغة خاصة تحدد بدقة المنطلقات، والآليات، والوسائل، ومدة الإنجاز، فإن المشروع الجديد يغرق في التعريفات "الأدبية" في مادته المتعلقة بتعريف المصطلحات (المادة 2) من قبيل: مفهوم "المتعلم" (بتعريف تقليدي متجاوز)، ومفاهيم "التناوب اللغوي"، و"السلوك المدني"، و"الإنصاف"، و"الجودة"، والتعلم مدى الحياة" وكأن الأمر يتعلق بمادة للتكوين في "علوم التربية" وليس قانونا إطارا يحمل هذا الاسم. إذ كان لزاما على واضعي المشروع تحديد مفاهيم إجرائية مرتبطة بالمشروع نفسه، من قبيل: التعليم الإلزامي، نظام وطني مؤسساتي، مبادئ المرفق العمومي (بالنسبة إلى القطاع الخاص)، حركية المتعلم في المسارات التعليمية، الدلائل المرجعية، النظام الجبائي التحفيزي، الدور الوظيفي للغات...الخ.

من الدولة إلى الحكومة.. ومن الحكومة إلى الدولة

إذا كان من المنطقي، في كل مشروع إصلاحي، أن تلتقي وتتكامل المهام المنوطة بالدولة وبالسلطات العمومية مع مهام ووظائف الحكومة، فإن المشروع الحالي يضع استراتيجية الإصلاح أمام متاهات حقيقية يصعب معها تحديد الأدوار والوظائف بشكل مضبوط وصارم. ففي مفاصل متعددة من القانون- الإطار لا نعرف ما المقصود بالدولة، ولا حدود تدخل السلطة الحكومية المكلفة بالقطاع، ولا أين تبدأ وتنتهي وظائف المجلس الأعلى للتعليم.. فنقرأ مثلا:

- "تتخذ الدولة التدابير اللازمة لإرساء نظام وطني مؤسساتي مندمج يحقق التنسيق بين مختلف الفاعلين في مجال البحث العلمي والتقني والابتكار... (المادة 13).

- تسهر الدولة على اتخاذ التدابير اللازمة من أجل تمكين المتعلمين... من خدمات الإيواء، والإطعام بالنسبة للمتعلمين من ذوي الاحتياج... (المادة 18).

- تعمل الدولة على تعبئة جميع الوسائل المتاحة لتيسير اندماج الأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعية خاصة في منظومة التربية والتعليم... (المادة 22).

- تعمل الدولة.. على وضع إطار تعاقدي استراتيجي شامل يحدد مساهمة القطاع الخاص في تطوير منظومة التربية والتكوين... (المادة 41)

- تواصل الدولة مجهودها في تعبئة الموارد وتوفير الوسائل اللازمة لتمويل منظومة التربية والتعليم... (المادة 42).

- تعمل الدولة.. على إقرار مبدأ المساهمة في تمويل التعليم العالي بصفة تدريجية، من خلال إقرار رسوم للتسجيل بمؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى وبمؤسسات التعليم الثانوي في مرحلة ثانية... (المادة 45).

من جانب آخر، تظل العلاقة بين المجلس الأعلى للتعليم والسلطات الحكومية علاقة ملتبسة تخضع مشروع قانون الإطار إلى لعبة "عندي- عندك". وهو ما يبدو جليا في مقتضيات المادة 9، التي تنص على "إعادة هيكلة التعليم العالي" و"إعداد مخطط يعرض على المجلس الأعلى للتربية والتكوين" أو في المادة 23 التي تقول إن "السلطات الحكومية المكلفة بالتربية والتعليم والتكوين تضع "ميثاقا للمتعلم".. يعرض على المجلس الأعلى، أو المادة 27 التي تنص على عرض "الدلائل المرجعية (المتعلقة بالمناهج والبرامج والتكوينات) على أنظار المجلس الأعلى للتربية والتكوين، أو المادة 28 التي تقول بعرض "الهندسة اللغوية" بموجب نصوص تنظيمية على المجلس الأعلى، أو المادة 31 التي تقول بوضع "دلائل مرجعية خاصة بالتوجيه والإرشاد والإعلام وتعرض على المجلس الأعلى للتربية والتكوين"، أو المادة 33 التي تنص على "وضع ميثاق تعاقدي لأخلاقيات مهن التربية والتعليم..، ويعرض على المجلس الأعلى".

بالمقابل، أعطى المجلس الأعلى لنفسه الحق في إعداد "دلائل مرجعية" تحدد ما أسماه مشروع القانون الإطار "مهام وكفايات الأطر التربوية والإدارية والتقنية المنتمية لمختلف الفئات المهنية العاملة في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي (المادة 34).

صندوق للتعليم وضرب للمجانية

وفي الوقت الذي ينص - الإطار على إحداث "صندوق خاص لدعم عمليات تعميم التعليم الإلزامي.. يتم تمويله من طرف الجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية ومساهمات القطاع الخاص وباقي الشركاء" (المادة 44)، يصرح المشروع نفسه بإقرار "رسوم للتسجيل بمؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى، وبمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي في مرحلة ثانية، وذلك وفق الشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي، مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى الدخل والقدرة على الأداء".

يتعلق الأمر إذن، وبشكل صريح، بإلغاء مجانية التعليم العالي والثانوي دون تحديد الفئات الاجتماعية المعنية بالأداء. وإذا كان المشروع ينص على إحداث صندوق خاص لدعم التعليم الإلزامي (إلى غاية السنة الأخيرة من الإعدادي)، فما هو المبرر، يا ترى، من استثناء السلكين الثانوي والعالي من هذا الدعم؟. وإذا افترضنا بأن الأداء سيمس الفئات الميسورة، كما يتم الترويج لذلك، فهل -يا ترى- يدرس أبناء الميسورين والميسورات بالتعليم العمومي؟. وحسبنا أن إرجاء الأمر إلى غاية سن قانون تنظيمي سيكون مقدمة لاستهداف فئات عريضة من المجتمع تستفيد من التعليمين الثانوي والجامعي، وماهي بالفئات المحسوبة على طبقة الأغنياء لأن هؤلاء يؤمنون لأبنائهم ولوج التعليم الخاص، في كل مسالكه، وشعبه، ومساراته.

ضبابية الرؤية اللغوية

من الإشكالات التي لم يحسم فيها القانون الإطار الجديد تلك المتعلقة بالمسألة اللغوية، حيث ظلت عبارات من قبيل "الهندسة اللغوية"، و"التناوب اللغوي"، و"التعددية اللغوية"، و"الخيارات اللغوية" تخفي حجم الارتباك في تحديد سياسة لغوية واضحة ومحسومة في مختلف أسلاك التعليم. وقد تم رمي الكرة في سلة الحكومة، وإرجاء الحسم في تطبيقاتها إلى نصوص تنظيمية لاحقة يلزم القانون الإطار عرضها مجددا على أنظار المجلس الأعلى للتربية والتكوين (المادة 28)، ناهيك عن التردد المسجل في التعاطي مع اللغة الأمازيغية.

مشروع لم يحسم القضايا الجوهرية

اعتبارا لما سبق، يبدو مشروع القانون الإطار في كل مفاصله مشروعا مؤجلا للإصلاح، باعتبار القضايا الجوهرية التي لم يحسم فيها القانون، وأرجأها إلى حين الحسم في الإطارات المرجعية، أو في النصوص التنظيمية، وبالنظر أيضا إلى الجدولة الزمنية المعلنة لتحقيق بعض الأهداف، والتي تبدو شبه مستحيلة (تأهيل مؤسسات التعليم خلال ثلاث سنوات، القضاء على الأمية في أجل ست سنوات، مراكز الدعم النفسي في ثلاث سنوات، سد الخصاص في مؤسسات التعليم في أجل ست سنوات..).

وإذا كان المشروع المذكور قد أعلن عزمه على إنهاء مجانية التعليم العالي والثانوي، فإنه بالمقابل لم يحسم في القضايا الشائكة المرتبطة براهن ومستقبل التعليم ببلادنا.

*أستاذ مبرز في الترجمة