قضايا

إلى متى تحجر السلطات العربية على حرية العقيدة والفكر والتعبير؟

الدكتور جواد مبروكي

حينما بلغني في يوم 2 يناير 2018 خبر الحكم بالإعدام على المواطن اليمني حامد بن حيدرة بسبب معتقداته الدينية ومصادرة كافة أمواله، بقي سؤال يتكرر في ذهني: "لماذا مثل هذه المحاكمات التي تجري على أساس تهم الانتماء الديني اندثرت في جل الدول المتقدمة بل في معظم بقاع المعمورة وما زالت مستمرة في معظم دول عالمنا العربي بدرجات متفاوتة القسوة، من المنع إلى السجن وتنتهي حتى إلى منصة الإعدام؟".

"هل العرب هم أشد كرها لحرية الفكر والعقيدة أم مفاهيمهم الدينية هي السبب؟". أرى أن هذا التعسف لا علاقة له بالدّين، حيث نجد الإسلام يقر مبدأ "لا إكراه في الدين" وبكل وضوح يترك القرآن الحرية لكل نفس في الإيمان. ثم تساءلت: "هل العرب هم الذين يتعسفون على كل من اختلف معهم في العقيدة أم سلطات المجتمعات العربية؟". اتضح لي أن المجتمعات العربية تتسامح وتتعايش مع مختلف الديانات ولكن السلطات هي التي تمنع حرية العقيدة والتعبير عنها. وهكذا، توصلت إلى طرح سؤالي الأخير: "لماذا سلطات معظم البلاد العربية تتعسف على حرية الفكر وحرية العقيدة؟".

حامد بن حيدرة مواطن يمني الجنسية، بهائي الديانة، تمتع بالحد الأدنى من حقوقه إلى أن تم القبض عليه وسجنه منذ 4 سنوات، يا تُرى هل كان سبب سجنه فتنة سبّبها في حيه أو مدينته أو في مكان عمله؟ هل كان مضطهداً من لدن محيطه المجتمعي؟ أبدا، كان يعيش كسائر المواطنين اليمنيين ومندمج في مجتمعه ولم تكن عقيدته سببا للضغينة والعناد.

ما يقع لِـ حامد بن حيدرة ليس بسبب التعصب الديني للمجتمع اليمني؛ ولكن هو قرار من إحدى المحاكم اليمنية الجزائية المختصة التابعة للحوثيين في صنعاء. ويتضح أن أمثال تلك الأنظمة هي التي تعودت على حرمان مواطنيها من الحريات العامة، حيث إنها لا تحترم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها بل ولا تحترم حتى تعاليم القرآن التي تدعو إلى العدل والقسط بين الناس بغض النظر عن ألوانهم وأجناسهم وعقيدتهم. ولكي لا تقع هذه السلطات في التناقض مع تعاليم الله والمواثيق الحقوقية، تخترع اتهامات لا صحة لها لتبرر تعسفها وظلمها. هل سمعتم في أي بلد متحضر خبر سجن مواطن أو حتى مهاجر مقيم فيه، بسبب معتقداته؟ بل تمنح هذه الدول الديمقراطية حق اللجوء لمن يُضطهد بسبب عقيدته في وطنه!

إن الإسلام يتبرأ من هذا السلوك الاستبدادي المتعسف؛ لأنه يأمر بالعدل والإنصاف وبحق الفرد في اختيار العقيدة وحرية الفكر والوجدان، وينهى عن الإكراه والتعدي على خلق الله.

إن الكثير من النظم السائدة في عالمنا العربي ليست عادلة حتى مع من يعتنقون الإسلام. وكم من الأفراد حرموا من حقوقهم، خاصة إذا أصبحت أفكارهم تنوّر الرأي العام. فهذا الظلم لا علاقة له بالدّين وإنما يتستر بقناع الدين لتبرير انتهاك حقوق الإنسان. ونسمع في كثير من المرات عدة جهات تبرر تقييد حرية العقيدة ومنع ممارسة الشعائر في عالمنا العربي تحت دعاوى احترام النظام العام أو تجنب الفتن؛ وهي تبريرات لم يعد لها معنى على ضوء قيم الحداثة والمواطنة. إن معظم الأنظمة في عالمنا هي التي تخلق الفتن في مجتمعاتها قصد تعطيل تقدم مسيرة الحداثة الديمقراطية، التي لا تخدم أغراض الكثير من الأطراف.

إن حامد بن حيدرة هو ضحية إفلاس السياسة العربية وانتهاك المواثيق الحقوقية. أناشدكم أينما كنتم أن لا تنظروا إلى عقيدة حامد بن حيدرة بل انظروا إليه من زاوية إنسانية شاملة وكذلك بجمال وعدل وإنصاف القرآن، انظروا إليه كأخ لكم وكمواطن يمني وعربي وإنسان قبل كل شيء وأن الظلم النازل عليه هو الظلم نفسه الذي يُحرمكم حتى أنتم من ضياء العدل. فلنكن كلنا مرايا تعكس فضائل أنوار الكلمات الإلهية أيا كان مصدرها وتشعل شموع التضامن مع هذا المظلوم.

*خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي