تحليل

الإصلاح الزراعي بالمغرب

عبد الرحمان شحشي

انفجر الصراع داخل البرلمان حول " الإصلاح الزراعي " الذي أخاف و يخيف كبار الملاكين ، وهو أول خلاف من نوعه وأخطر خلاف وقع في البرلمان ،بين أنصار جبهة الفاع عن المؤسسات الدستورية - (FDIC) - الذين أرادوا تحويل الأنظار عن جوهر الخلاف وعمقه ومحاولة اختزاله في مجرد خلاف مسطري حول الدورة الاستثنائية سنة 1964، و"مما لاشك فيه أن معارضة الجبهة لعقد الدورة الاستثنائية هي في الحقيقة معارضة لما جاء في جدول الأعمال: أي استرجاع أراضي الاستعمار والإصلاح الزراعي وتأميم صناعة السكر..." وهكذا وقفت " الجبهة " في وجه المعارضة الاتحادية- الاستقلالية التي وجه عدد من نوابها "نداءات... إلى أعضاء فريق الجبهة لكي يكفوا عن معارضة مناقشة قضايا لا تتخذ فقط صبغة الاستعجال، بل يتوقف عليها تطور البلاد الاقتصادي والاجتماعي وناشدوهم بعدم خرق نص صريح من الدستور وهو الفصل الأربعين..." وأمام تعنت الجبهة في معارضتها، أعلنا حزبي الاستقلال والإتحاد الوطني للقوات الشعبية "عن إمكانية القيام بعمل حاسم من شأنه أن يحدث ضجة كبرى في الأوساط السياسية. وقد يتمثل هذا العمل في الانسحاب من البرلمان ولو مؤقتا إذا كانت الجبهة لا تريد أن تتقيد بنص الدستور..."

وفي الحقيقة إن الصراع الذي نشب بين الجبهة والمعارضة الاستقلالية - الاتحادية هو "صراع بين عقليتين وبين اتجاهين: عقلية تفكر في مصالحها الخاصة وتوحد صفوفها من أجل الحفاظ على مصالحها المعرضة للخطر، وعقلية تفكر في واقع الأغلبية الساحقة من جماهير شعبنا وتسعى لتخليصه من الاستغلال والاحتكار والإقطاع.

وإلا فلماذا يقوم أصحاب العقلية الأولى وهم أعضاء الجبهة ومسيريها ليعارضوا في مناقشة مشاريع يمكن لهم بحكم توفرهم على الأغلبية أن يقترحوا تعديلات لها؟

لقد ظهر أثناء مناقشات مجلس النواب خلال أسبوعين أن نواب الجبهة لا يطيقون سماع الإصلاح الزراعي... وبالرغم من أن عددا من قادة المعارضة كالسيد علال الفاسي والسيد المعطي بوعبيد قد ناشدوا نواب الجبهة لكي يتركوا لهم فرصة لإعطاء رأيهم في المشاريع التي قدموها، فإن نواب الجبهة صمموا على عدم إفساح المجال لتناقش القضايا الوطنية المقترحة.

لقد أرادت المعارضـــة أن تجعل مــن الدورة الاستثنائيـــــة التي طلبت عقدهــــا "دورة الفلاح" ولكن الجبهة أرادت أن تقبر مطالب الفلاحين..."

وفي الحقيقة إن هذا الصراع حول الإصلاح الزراعي ليس هو فقط صراع بين عقليتين ولكنه كذلك "صراع المواقع"، حيث تم منع المعارضة من الولوج إلى "العالم القروي" وتأطيره، باعتبار المجال القروي "مجال خاص" بالملك، أو ليس "الفلاح هو حامي العرش" ؟ حسب "ريمي لوفو"، والجبهة لم تكن إلا ناطقا باسم مؤسسها، حيث أعلنت "موت المعارضة" قبل الدخول البرلماني، وهكذا صرح اجديرة في استجواب قائلا: "لقد انتهى أمر هؤلاء الناس ولم يعد لهم لا قوة ذهنية ولا إطارات المعمل، ولا برامج ولا قاعدة شعبية – لنأخذ الإتحاد الوطني للقوات الشعبية أولا: لنرى ماذا يمكن أن يحقق بثلاثة أشخاص هم على رأس قيادته (المهدي بن بركة –عبد الرحيم بوعبيد- عبد الرحمان اليوسفي) فقد أصبح واضحا أنه ليس لهم برنامج إلا الهدم والتحطيم ..." .

وفي مواجهة مع الجبهة المساندة من طرف "النظام" انتبه المهدي بن بركة "إلى السياق المغلوط الذي ثم من داخله الحصول على "الاستقلال المزعوم" والذي يغطي في جوهره على استمرار المصالح الاستعمارية في أشكال استتباعية واستغلالية جديدة، وهذا ما راح يفضحه تحت شعار "مقاومة الاستعمار الجديد"، بل إنه ذهب أبعد وراح يندد بقبول ... "أنصاف الحلول"... معتبرا ذلك واحدا من الأخطاء الثلاثة المميتة التي وقعت فيها الحركة الوطنية المغربية"

ونفس الموقف سيتبناه "حزب الاستقلال" المقصي من الحكومة التي ترأسها "أبا حنيفي"، حيث اعتبر الحزب السيد أحمد رضا اكديرة دعامة الاستعمار الجديد وحليفه التقليدي.

لقد انبنت معركة المعارضة الاستقلالية – الاتحادية على آلية الصراع من داخل المؤسسات وبالخصوص المؤسسة التشريعية لمعارضة التوجهات الاقتصادية للنظام ، كما سخرت الصحافة الحزبية حيث كانت جريدتي التحرير "التحرير" و "العلم" تنشران بانتظام مقالات عن الحالة الاقتصادية المغربية، وفي هذا الإطار نشرت جريدة التحرير مقالا رئيسيا تضمن الإشارة إلى ما يلي:

فضيحة تأميم الكهرباء والسكك الحديدية.

الدولة المغربية تتحمل عبئ 99 مليارات من الفرنك.

شركة بنك باريز تفوز ب 8 مليارات من الفرنك بدون مبرر أو مقابل.

ثم كتبت في عدد آخر مقالا وصفت فيه التأميم بأنه مناورة استعمارية مفضوحة، واتهمت الحكم القائم بالتواطئ مع الاستعمار الجديد .

أما جريدة "العلم" فنشرت في نفس الفترة مجموعة من المقالات تتحدث عن نفس المواضيع قائلة أن:

"الدويري" يفضح أكاذيب مدير الديوان ومغالطته.

مناورات لتعويض أصحاب الامتيازات بستة مليارات بذلا من 4 ونصف.

مدير الديوان يستخدم في مناوراته أرباب المصالح ووسطاء غير مسئولين.

و تابعت "مجلة الأطلس المصورة" تحت عنوان: "الحقيقة الضائعة في معرض الصحافة الوطنية" تغطيه ما تنشره صحف المعارضة متسائلة "لماذا الشعب يجهل حقيقة وأسرار الأزمة القائمة حول المشكلة" الاقتصادية.

كما كتب "محمد عابد الجابري" مجموعة من المقالات في جريدة "التحرير" وفي نفس الفترة، وفي نفس السياق يقول: "هنا يجب أن نلقي هذا السؤال : كيف كان يفهم المغربي"الإستقلال" الذي كان يكافح من أجله؟

مجيبا أن "الشعب لم يكن راضيا عن الأوضاع التي خلفتها الحماية، لم يكن الشعب راضيا عن التفاوتات الخطيرة في الفرص وفي المساعدات الحكومية، كان الشعب يتساءل دائما: لماذا تبقى هذه الملايين في حياة بئيسة ؟

في حياة قاسية يصعب فيها كسب الخبز، في حين يتمتع أصحاب المعامل والشركات ويتمتع الحكام... ومن يسير في ركابهم من أتباع وخونة !"

ويضيف الجابري أن حكومة عبد الله إبراهيم خاضت بكل شجاعة "معركة الاستقلال الاقتصادي" فاتحة مجموعة من الجبهات كتوزيع الأراضي واسترجاع أراضي المعمرين وتحرير الاقتصاد من التبعية لكنها لاقت معارضة عنيفة قادتها جيوب مقاومة التغيير؛ حيث كانت تضع " العصا في عجلة الحكومة" لعرقلة سيرها وإيقافها بالتالي عن القيام بالتغييرات الضرورية واللازمة، وهنا يقول الجابري "خلال هذه المعركة تمكنت "القوة الثالثة" التي كان على رأسها أحمد رضا اكديرة الممثل علانية للمصالح الفرنسية من التأثير علانية على النظام القائم حيث سيتم اعتقال مدير ورئيس جريدة "التحرير" عبد الرحمان اليوسفي ومحمد البصري في إطار مؤامرة 16 يوليوز 1963 وإيقاف "التحرير" من الصدور، كما سعت القوة الثالثة لعرقلة حكومة عبد الله إبراهيم والتضييق على القوات الشعبية إلى دفع الإدارة إلى اتخاذ قرارات تتناقض مع قرارات الحكومة وتوجهاتها "حتى غدا الجميع يدرك أن هناك حكومتان حكومة عبد الله إبراهيم وحكومة أخرى "سرية" - " حكومة الظل