امرأة

الأمشاط التقليدية .. عندما توظف قرون الأبقار في خدمة الجمال والبيئة

مارية العروسي: و.م.ع

تعد باقة الأمشاط المصنوعة من قرون الأبقار، والتي يمكن مصادفتها في عدد من المواقع الإلكترونية الغربية للمبيعات، سواء تعلق الأمر بمشط تسريح الشعر أو المشط المسنن أو المشط على شكل شوكة أو مشط اللحية أو مشط السفر، والتي يمكن أن يتجاوز سعرها، في بعض الأحيان 20 أورو، ذررا للصناعة التقليدية المغربية، والتي لم تعد فقط إكسسوارات نادرة في الوقت الحاضر، وإنما أضحت تشكل وسائل تربط بامتياز بين الصحة والجمال والبيئة.

وإذا كان بعض المغاربة والمغربيات يفخرون خطأ بأمشاطهم البلاستيكية ولا يفوتون أي فرصة لعرضها، فإن البعض الآخر يفضلون العودة إلى أصولهم، تماما مثل الأمهات والجدات اللواتي كنا يمشطن شعرهن الطويل بمشط مصنع من قرن بقرة، مكون من صفين من الأسنان لجعل التسريحة جميلة، كعكة كريب أو “كاردون” ولترويض الشعر المجعد والمتمرد.

“لا شيء يضيع، لا شيء يخترع من عدم، كل شيء يتحول” : هذا الحكمة المنسوبة للافوازيي وجدت صداها لفترة طويلة بين الحرفيين المغاربة الذين، بدلا من رمي قرون الأبقار والثيران في الطبيعة ، شكلوا منها أمشاطا جميلة.

على عكس البلاستيك الذي يحتاج مئات السنين للتحلل، ملوثا بذلك الكوكب بأسره، فإن قرون الأبقار مادة مكونة من جزيئات الكيراتين، القابلة للتحلل.

لذلك فإنه بدلا من حصص الترطيب البرازيلي باستعمال الكيراتين ،والتي تكون مكلفة جدا، فإن مشط القرن يمكن أن يفي بالغرض.

ويعتقد المدافعون عن البيئة أن القرون المستخدمة لهذا الغرض يجب أن تأتي من المواشي الموجهة للذبيحة، التي ذبحت لاستهلاك لحومها، وليس لغاية وحيدة هي توفير القرون. كما يصرون على ضرورة تجنب أي نوع من سوء المعاملة للحيوانات، لتصنيع أمشاط القرون.

وبالإضافة إلى هذه الوظيفة الإيكولوجية، فإن أمشاط القرن لها خاصية أخرى تتمثل في عدم توليدها للشحنات الكهربائية الساكنة، وتمكن على نحو فعال من إقفال جدائل الشعر ومنحها ألقا ولمعانا.

عبد اللطيف الزغزوتي، واحد من المصنعين القلائل لأمشاط القرن في المغرب،يسير على خطى والده، تعلم في سن مبكرة معالجة القرون في المدينة الحمراء،

ويشتري عبد اللطيف،كجل مصنعي هذه الأمشاط العضوية والطبيعية بنسبة 100 في المئة، القرون من المدابغ والمسالخ في المدينة الحمراء. معترفا أنه “من الصعب على نحو متزايد العثور على المواد الخام لصنع الأمشاط”، مشيرا إلى أن “القرون تستخدم أيضا لصناعة غيرها من الإكسسوارات، والديكورات وأثاث غرف النوم”.

وردا على السؤال المطروح حول سعر مشط القرن، قال الحرفي إنه “يتراوح من 8 دراهم إلى 70 درهما”، معربا عن أسفه لأن المشط التقليدي لجداتنا “لم يعد من الموضة”، مشيرا إلى أن “المشط المسنن أصبح الأكثر طلبية”.

“في السابق، كان من الممكن صنع 45 مشطا يوميا من طرف حرفيين اثنين، في حين في الوقت الحاضر، عدد القطع المصنعة يوميا لا يتجاوز 15 أو 20 حسب الطلب”.

وأوضح “المعلم”، الذي يحاول إدامة هذه القطعة العتيقة المستوحاة من أجدادنا والمهددة بالانقراض”، في المتوسط قرن واحد يمكن أن يوفر مشط بسيط من 10-15 سنتيمترا، على عكس أكبر واحد الذي يقيس حوالي 20 سنتمترا”.

وأفاد هذا الحرفي الموهوب بأن تصنيع هذه الأمشاط يتطلب عملا دقيقا يجمع بين المهارة اليدوية والجلد والاستخدام الجيد للآلات المعتمدة.

وقال “إن سر نجاح هذا المشط هو أساسا في تقنية تسخين وتسطيح القرن”، مضيفا “إذا كان الحرفي لا يتقن هذه التقنية، فإن القرن مهدد بالكسر”.

ويسعى السيد زغزوتي بالاستمرار في الابتكار من أجل تزويد زبائنه المغاربة والأجانب بأمشاط عالية الجودة وطبيعية، تحترم البيئة، وتلائم مختلف أنواع الشعر”.

وتابع قائلا “في الأغلب يتكون مشط القرن من صفين من الأسنان، مما يؤهله للقيام بدور المشط المخصص لمكافحة القمل، والذي يتم تسويقه في بلدان أخرى، إذ أنه يسهل القضاء على القمل، مع احترام تام لألياف الشعر”.

وأضاف أنه “خلال عملية تصنيع هذه الأمشاط، لا يتم إلقاء أي شيء، علما بأن المسحوق الناتج عن عملية التصنيع يستعمل بمثابة بخور”.

وبفضل عشقه العاطفي والفطري لهذه المهنة،يتحدى الحرفي كل العقبات، بما في ذلك تراجع الطلب المحلي، ويعد ببذل قصارى جهده لنقل هذا الرأسمال غير المادي للأجيال الصاعدة.

اختيار مشط القرن هو بالتأكيد خطوة في خدمة قضية البيئة، مع تمكين المرأة والرجل من تحقيق أفضل فائدة.