قضايا

مجانية المدارس الخاصة خطوة نحو إصلاح التعليم بالمغرب

الدكتور جواد مبروكي

لنتصور كل الأمهات المغربيات يحتفظن بطفل واحدٍ في بيوتهن وتغرقهن في الحنان بينما تُلقين بالأطفال الآخرين في دُور الأيتام. فكيف ستكون يا ترى بنية شخصية الأطفال؟ كيف ستكون بنية هذه العائلات؟ هل بإمكاننا أن نتحدث في مثل هذا المِثال عن العائلة؟ وكيف سيكون بنيان المجتمع إذا استطعنا أن نتحدث عن مجتمع؟

هكذا هو الآن المجتمع المغربي، ما زال يسهم في تدمير شخصية أبنائه والدليل هو كل الثقب التي تنخر نسيجه: "العنف المدرسي، التحرش بالنساء، الدعارة، المخدرات، اغتصاب الأطفال، فقدان الثقة والأمانة ، الحكرة بكل أنواعها، تزايد عدد ضحايا الموت على لقمة عيش...".

باعتباري طبيبا همي الوحيد هو العلاج وحماية صحة الإنسان من الأمراض وصيانتها من الضرر والعذاب أقف هنا وأقول للجسد المجتمعي: "قف هنا وأجبرك الآن وبكل استعجال على الدخول الفوري إلى مستشفى الأمراض العقلية الخطيرة رغما عنك وحسب مقتضيات القانون، لأنك فقدت صوابك وبدأت في الهذيان وتعرض نفسك والآخرين للانتحار الجماعي"!

على التعليم أن يكون إجباريا ويُعاقبُ القانون الآباء الذين يُهملون هذا الواجب الأساسي لبناء المجتمع؛ لأن التعليم هو المسؤول على تكوين الطفل المغربي، وهو الحاضن الأكبر والوصي قبل الآباء.

لكن مع الأسف في واقعنا لم يعد التعليم يقوم بهذا الواجب بل نراه يرغم الآباء على تدمير أطفالهم بتسهيل الترخيص لافتتاح الكازينوهات المدرسية الخصوصية بينما جرى تحويل المدارس العمومية إلى دور للأيتام من المستوى الضعيف.

فما ذنب ذلك الطفل المغربي الذي ازداد في القرى والدواوير ليستقبله الفقر والقهر والحكرة؟ ما ذنبه لكي لا يجد في بعض الأحيان حتى دار الأيتام "المدرسة العمومية" في منطقته الجغرافية؟

كيف للطفل المغربي عندما ينشأ تحت سياط الظلم والحرمان والفوارق في الفرص والحظوظ والمفارقات الاجتماعية بدون أي ذنب، أن يكون محبا لمجتمعه وينشأ متوازنا في شخصيته وسعيدا في حياته ويشعر بالثقة والأمان ويطور ذاته وينمي كل قدراته لخدمة مجتمعه ووطنه بكل فرح وافتخار؟

وبالرغم من خيبة أمل المجتمع أمام ما أنتجه فشل برامجه التعليمية وبينما يحاول علاجها بسرعة، نراه يستعمل سموماً متوهماً أنها أحسن الأدوية حتى انطبق عليه المثل المغربي الشعبي "بْلاّرْجْ بْغا يْبوسْ وْلْدو، عْماهْ بْمْنْقارو".

هنا لا أرى حلاً خيراً من بتر المدارس الخاصة لأنها ورم عظيم؛ فمنذ بداية تسهيل الترخيص لها، بدأ تدهور التعليم والأخلاق والقيم وتفاقم الغش وتعاظم العنف المدرسي!

التعليم الخاص هو أفيون المجتمع، خدَّر كل القيم وزاد في هوة الفوارق الاجتماعية وأصبح الكل يُطَلِّقُ الأخلاق والفضائل والقيم طلاقاً تاماً ليجد المال بسرعة وأصبح المجتمع في هذيان واضطراب عظيم في سلوكه ومسلكه حتى صار كل شيء حلالاً (بيع الخمور، المخدرات، الغش، النصب، السرقة، الرشوة، الدعارة، احتلال الملك العام..).

مرحبا بالمدارس الخاصة لكن مجاناً حتى يكون لكل الآباء، على حد سواء، حق الاختيار بين التعليم الخاص والعمومي. وهذا هو العدل والمساواة بين كل الأطفال المغاربة.

ولتحقيق ذلك، على نظام التعليم أن يعيد هيكلة هذه المدارس الخاصة ويفعلها كوكالات له ويدعمها مادياً كما تفعل الدولة مع الغاز والسكر والدقيق. فإذا كان تدعيم الدقيق يضمن حياة الجسد فإن تدعيم المدارس يضمن حياة الفكر والروح؛ فالتغذية الجسمانية والتغذية الفكرية هما جناحا حياة الإنسان والمجتمع، ولا بد من سلامتهما وتوازنهما وتناغمهما!

*خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي