رأي

إبراهيم أقنسوس: إصلاح التعليم .. رؤية وإرادة

التعليم حق الإنسان الطبيعي، ونصيبه الضروري الذي لا يقبل التردد، ولا يصح أن يدخل مزاد الحسابات الضيقة، إنه حقه الوجودي المرتبط به بما هو كيان فرد، عليه أن يعرف، ويفهم، ويفك الرموز، وينطلق ليحيى أيامه، وساعاته، بشرا سويا، يتمتع بكامل حقوقه، وعلى رأسها حقه في المعرفة.

لا يدخل التعليم عند الكبار حسابات المال والأعمال، لأنه أكبر من كل تجارة، وأقوى من كل رهان مادي صرف.. نعم، لا بد للتعليم من مال، لتدبير شؤونه؛ ولكن الحذر الحذر أن يتحول التعليم إلى مجرد مال، ولون تجاري، هنا يبدأ الانحراف، وسوء الفهم الكبير، تحويل التعليم إلى مجرد تجارة، يعني مباشرة تحويل الكائن البشري إلى بضاعة، وعقله إلى سقط متاع؛ فالتعليم لا ثمن له، وعند الكبار والعقلاء لا يعتبرونه عبئا، ولا يرون ما ينفق عليه تكلفة وثقلا، بل، وهنا مربط الفرس، يتجهون، رأسا، إلى البحث، وبكل الوسائل العلمية والمشروعة، عن الجدوى من التعليم، والجدوى من التعليم، وفي التعليم، دائما موجودة، متى طلبناها بحق، وبحثنا عنها، بإرادة وعزم.

ومن يرى التعليم مكلفا، فليتأمل قليلا تكلفة الجهل، وهذا الواقع أمامنا. نعم، المؤكد أن صرف المال يستلزم المحاسبة، بغرض الوقوف على النتائج وتقييم الجدوى، وليس لحساب الميزانيات، وعدها فقط.. مهم أن نعرف كم أنفقنا؛ ولكن الأهم والأساس والجوهري هو أن نتبين في ماذا أنفقنا ومن أجل ماذا، هذه نقطة قلما ينصب عليها الاهتمام، ويتوجه إليها النقد، والسبب الكبير هو أننا لا نعرف بالضبط ماذا نريد.

إن حديثنا عن إصلاح التعليم يكتنفه تشويش كثير، ويشكو من ارتباك كبير، وتتداخل فيه عناصر عدة، وتتشابك بصدده موضوعات مختلفة، نعجز عن فكها، وكأن الأمر يتعلق بطلاسم سحرية، لا بقضايا محددة بذاتها وعينها.

ليس عيبا أن نعدّ برامج للإصلاح، ثم نسعى إلى إنجازها، عبر مراحل وعشريات.. وليس عيبا أن نخفق، ثم نعيد الكرة، كل هذا مقبول، في مجال شديد الصعوبة والتعقيد، لارتباطه بكينونة الإنسان، المواطن؛ لكن السؤال الملح والغائب الكبير هو: بأية إرادة، نفكر في إصلاح التعليم، وبأية رؤية؟

هنا، نفتقد أجوبة واضحة وقوية، حيث نحتاج إلى أجوبة واضحة وقوية، وفي مجالات محددة أضعنا فيها أو في الكلام فيها الكثير من الجهد والمال، وهي على التوالي: المدرسة العمومية والخاصة التي نريد، الإطار التربوي، المنهاج الدراسي، ملف التكوين، لغة لتدريس، وأخيرا آفاق مدرستنا، وما تتيحه من إمكانات في سوق الشغل، على أن نضبط العملية من أولها إلى آخرها، من أين يبدأ التلميذ وإلى أين ينتهي، خطوة، خطوة، هنا نحتاج إلى وضوح في الرؤية وصلابة في الإرادة وعزم في المسير، متى تأكدت لدينا هذه العناصر، يصبح للحديث عن الميزانيات معناه الصحيح، وإطاره المضبوط.

كل الذين تميزوا بجودة تعليمهم ونجاعته، وكل الذين نجحوا في إصلاح هذا القطاع ومداواة أعطابه في بلادهم، كل هؤلاء امتلكوا أساسا وابتداء هاتين الميزتين والحقيقتين: وضوح الرؤية وقوة الإرادة، ثم أتى حديث المال، بعدها، فوضع في مكانه وبقواعده، وكان له أثره البين.