رأي

عبد اللطيف مجدوب: رواسب كولونيالية وثقافية وسؤال الكراهية بين شرائح اجتماعية

عبد اللطيف مجدوب

الظاهرة الإشكالية

من خلال استنطاق مؤشرات سوسيولوجية ؛ داخل المجتمع المغربي بجل شرائحه؛ نقف على أنماط سلوكية من التوجس في العلاقات البينية تصل حد الإقصائية المبطنة بالعداء أحيانا، تصدر من الأفراد والجماعات وتتخذ لنفسها في الظهور أشكالا متنوعة من التعالي عن الآخر باللغة أو السلطة المعرفية أو السلطة المالية أو المكانة/الرتبة الاجتماعية. ولعل من أبرز تداعياتها صعوبة التواصل والتوافق مع الآخر وسحب الثقة منه أحيانا أو على الأقل التوجس منه.

وقد تبرز؛ أمام هذه الظاهرة؛ تساؤلات مشروعة حول العوامل والعناصر التي كانت وراء توليدها لتصيّر منها في الأخير الخصوصية البارزة في سلوكيات المغاربة.

فهل للتعصب القبلي رواسب وآثار ما زالت تعتمل في الظاهرة ؟ وما نصيب الكولونيالية منها...؟ وهل لها خصوصيات وأمثلة مميزة لها في اللغة المتداولة ..؟

رواسب تاريخية

لنعد قليلا إلى الوراء باستقراء معالم تاريخ المغرب، وبالأخص في الحقبة الكولونيالية وتحديدا السمة السياسية الرئيسة التي اعتمدها المستعمر الفرنسي في تعامله مع المغاربة سنقف على مؤشرات أو بالأحرى مبادئ كولونيالية منها: فرق تسد، ومنحه لامتيازات قبلية للقبائل والبطون الموالية له دون أخرى، وتكريسه لمبدأ العداء الذي عصف بالعلاقات المجاورة بين قبائل وأخرى . وقد تكون السلطات الاستعمارية استلهمت بعض مبادئها هذه من الخلدونية نفسها Khaldunism والتي أولت للعصبية القبلية حيزا هاما في دراستها لتاريخ المغرب وبعض شرائحه الإثنية التي كانت في حرب سجال وعداوة دائمة فيما بينها**

بيد أن المغرب؛ حتى بعد جلاء المحتل؛ بقي متمسكا ببعض المبادئ الكولونيالية في سياسته العامة تجاه الشعب؛ منها الإبقاء على الامتيازات القبلية والنفخ في نعراتها من خلال إضفائه للشرعية على رؤساء قبائل وإيلائهم سلطات واسعة في القيادة والقضاء والدين، فضلا عن توظيفه للزوايا والأضرحة كأدوات للتأليب والتحكم.

رواسب ثقافية

ما زالت تعتمل داخل المجتمع المغربي؛ مكونات ثقافية تظافرت عوامل سياسية وسوسيولوجية عديدة في إيقاظ لهيبها داخل شرائح واسعة من المجتمع المغربي تأتي في مقدمتها الفرانكوفونية التي تعتبر أداة لصيانة والحفاظ على تركة ونفوذ المستعمر الفرنسي بالمغرب ثم الإسبانية والأمازيغية والأندلسية فالحسانية، إلا أن حضورها في النمط السلوكي يضل ضعيفا بمقارنته مثلا مع المكون الأمازيغي الذي يذهب ببعض نشطائه الغلاة إلى حد الشطط؛ في شطر كبير من مطالبهم ؛ فضلا عن النظرة الإقصائية العنيفة التي يتعاملون بها مع سواهم من المكونات الثقافية والعقدية الأخرى، وكذلك الشأن بالنسبة إلى تيارات إثنية وافدة من الأندلس والتي تتعامل بكراهية مبطنة ودونية فجة مع ما عداها.

وليس غلوا؛ في تتبع ظاهرة الكراهية البينية والجماعية؛ الإشارة إلى العامل الثقافي/المعرفي والذي ما زال يصدر عنه الكثيرون في مواقفهم وسلوكاتهم كبريستيج (حظوة)Prestige أو إشارة للتميز والتعالي عن الآخرين؛ يرطنون جملا بالعرنسية ويلوذون بها تحاشيا منهم وانسلاخا من "هوية العربي الإرهابية"، هذا فضلا عن المكانة الاجتماعية التي نجدها حاضرة في الإقصاء والتعالي لدى شرائح اجتماعية من علية القوم والتي تبلغ الرعونة ببعضهم إلى اعتبار الآخرين رعاعا من درجة السفلة!

وفي آن واحد تتعايش هناك أنماط سلوكيات عدائية أخرى؛ من موقع المظلومية ومصادرة الحقوق؛ يفصح عنها الفقير تجاه الغني والعاطل تجاه النشيط والأمي تجاه المتعلم، ونظرة الكهل إلى الشاب.

وقد نخلص؛ في مبحثنا هذا؛ إلى أن المواطن المغربي عموما ما زال ينظر بعداء إلى كل ذي سلطة وجاه بدءا بالدولة أو المخزن الذي يرقد في لاشعوره بمفهوم "لعْدو" لحجب الثقة عن مرافقه ودهاليزه...إلى علاقات إثنية وسوسيوثقافية ما زالت مثار حساسيات وكراهية مبطنة بين تيارات اجتماعية عديدة.

الوسائل التواصلية وإنتاج خطاب الكراهية

لا يمكن غض الطرف عن الأدوار الخطيرة التي أصبحت تلعبها وسائل التواصل الاجتماعي في حياة المغاربة قاطبة؛ فقد انتزعت الريادة من الوسائل الإعلامية التقليدية، وأصبحت محجا للجميع يستوي فيها المثقف والأمي والفقير والغني، لكن بردود فعل تختلف من شريحة إلى أخرى بالرغم من تيارات عديدة تبث مواقفها ونظرتها العدائية إلى الآخر من خلال إنتاج خطاب الكراهية والعنف يعتمد الصور والأشرطة القصيرة ولو أن نسبة منها مفبركة. وخطورتها تكمن بالأساس في سرعة الانتشار وبث ثقافة "الوعي اللحظي" Instantaneous Awareness لدى المتلقي؛ تمرر من خلالها مفاهيم شعبية مغلوطة ومواقف عدائية سلبية، مع تعميق الشعور بعدم الثقة في الآخر.. هذا فضلا عن ترويجها لثقافة معينة إقصائية وعدائية.

قاموس عدواني قدحي شعبي

يزخر القاموس الشعبي المغربي بألفاظ ذات حمولة موغلة في العدائية والتوجس منها: " ... المرّوكي اكْحل الرّاسْ ... بوزْبال ... خيبّيشْ ... اعْريبّانْ ... اطْحانْ مّو ..." احْضي راسكْ لايفوزو بك القومانْ يافْلانْ ... اجّارتيلا ... الجًنسْ النّاقصْ ... البركاكا ...السّوبّيسا ... مزاعيطْ المغرب ... ديرْ الرّيفي قدّامكْ أُمادّيروش مُوراكْ ...المخارْبا دلْيومْ ... واحدْ لمصنجًع ...حاشاكْ لمرا ...اشْليّح ...

إنتاج خطاب الكراهية وطغيانه بين الشرائح الاجتماعية المغربية يؤكد انحسار أدوار المؤسسات التربوية المباشرة أو بالأحرى ضمورها في ضوء الغزو التكنولوجي وتصاعد أرقام الأمية الأبجدية بين أكثرية الشرائح الاجتماعية المغربية.