تحليل

ميثاق الأغلبية من أجل ضمان حد أدنى من التوافق

يحي الصغيري

رئيس التجمع دبر المرحلة ببعد السياسي بدل البعد الانتخابوي

أقدمت أحزاب الأغلبية الحكومية والمكونة من: العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والاتحاد الدستوري، والتقدم والاشتراكية، على تشكيل هيئة للتنسيق بين مكونات الأغلبية؛ ويتجلى عمل هذه الهيئة على الخصوص في عمل تنظيم وضبط العلاقات بين أحزاب الحكومة وفرقها البرلمانية، وعلى ضرورة خلق روح التعاون والانسجام في العمل الحكومي والبرلماني والسياسات العمومية، كما سيتم الاعتماد على منهجية عمل تنبني على التنسيق بخصوص مقترحات ومشاريع القوانين وتقديم التعديلات والتصويت، وباقي المواضيع الأخرى التي تهم العمل البرلماني.

من الطبيعي جداً أن تكون بعض الاختلافات بين مكوناتها، في ظل حكومة مشكلة من أغلبية ذات تلاوين مختلفة، ومتعددة المشارب إن على مستوى الخصوصية أو المرجعية. فالحكومة أمامها عدة رهانات، تتطلب من مكونات الأغلبية تغليب منطق المصلحة العليا للبلاد، والعمل على الاستجابة لانتظارات الشعب المغربي. فبالرغم من كل الاختلافات بين مكونات الأغلبية، إلا أن هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، لذا تم الوصول إلى اعتماد ميثاق أغلبية كخطة طريق أو أرضية حد أدنى لتحديد آليات التنسيق والتعاون وفضاء لطرح وجهات نظر مختلفة، لإنجاح الرؤية المشتركة التي تم تحديدها في البرنامج الحكومي، وكرد فعل لإيقاف عملية التشويش على الحكومة من تصريحات وتهجمات على مكونات الأغلبية الحكومية.

لا يمنع الاختلاف بين مكونات الأغلبية الحكومية من وضع رؤية مشتركة تًؤسس لعمل حكومي يواجه تطلعات الشعب المغربي؛ والرهانات المطروحة لتوطيد دعائم المشروع المجتمعي الديمقراطي؛ في إطار أغلبية حكومية تخدم المصالح العليا على أساس أغلبية قوية ومتماسكة، لتنفيذ برنامجها، دون أن تخضع لأي معايير أخرى بعيدة عن منطق الأغلبية الحكومية. فالميثاق الجديد الذي وقعت عليه مكونات الأغلبية جاء من أجل ضمان حُسن الأداء العام وتحقيق طموحات المغاربة، ومن أجل ضمان حد أدنى من التوافق، الذي يمر عبر مجوعة من التنازلات بين الأطراف المكونة للأغلبية؛ حتى تضمن الحكومة استمراريتها في العمل الجاد والبناء. وهي في نفس الوقت رسالة قوية وصريحة، تأتي في أولوياتها نبذ الخلاف والتجاذب والتأزيم، واغراق المواطن في بحر الشعبوية، واختلاق مواضيع هامشية، والمراهنة على ازدواجية الخطاب، وممارسة ثنائية الدفاع والهجوم.

رئيس التجمع دبر المرحلة ببعد نظر وترسيخ للبعد السياسي بدل البعد الانتخابوي

اختار المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار برئاسة عزيز أخنوش، عدم الخوض والرد على التصريحات التي مست الحزب في شخص الرئيس؛ وتغليب منطق التهدئة وضبط النفس، والبحث عن المخرجات، بعيداً عن الاصطدامات ودغدغة العواطف والملاسنات والجدال الشعبوي، هدفها الرئيسي اطلاق فقاقيع صابونية سرعان ما تنفجر بشكل استعراضي واستتباعها بنقاشات دائرية، كصراع "دون كيشوط" مع الطواحين الهوائية. طالب رئيس التجمع بضرورة ضبط التصريحات والتحلي بالمسؤولية؛ انطلاقاً من مبدأ تغليب مصلحة الوطن لأنها أولى وأسمى من مصالح الحزب، وبالتالي المضي في انجاح ثاني تجربة حكومية على ضوء دستور 29 يوليوز 2011، والتي يقودها للمرة الثانية كذلك حزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الاسلامية. فبعد أن سبق للتجمع الوطني للأحرار، أن أنقذ حكومة بن كيران في نسختها الأولى والتي كانت تعاني من هشاشة التحالف، وكان من نتائجها انسحاب حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي، وهي الوضعية التي كادت أن تعصف بحكومة بن كيران، لولا دخول التجمع الوطني للأحرار للحكومة، من أجل انقاذ التجربة.

انطلاقاً من هذا التزم التجمع الوطني للأحرار بعد الخوض في هذه التجاذبات والخرجات الاعلامية والتحلي بالمسؤولية. ما دام أن الغرض الحقيقي من ورائها هو تعطيل العمل الحكومي وزرع الشك. إلا أن التجمعيين فضلوا الانضباط إلى مقومات العمل السياسي، والبحث عن الحلول الناجعة من أجل الاسراع بحل مجموعة من مشاكل المواطنين بمجموعة من المدن التي تعرف موجة من الاحتجاجات، جراء الفقر والهشاشة والمعاناة، والتي تقتضي من جميع مكونات الأغلبية التحلي بدرجة عالية من المسؤولية السياسية. والجميع على بينة أن ما ينتظره المواطن من الحكومة الحالية هو التدبير الجيد للسياسات العمومية، وتحسين الخدمات الاجتماعية السياسية في الصحة والتعليم والسكن والشغل ومعالجة الاختلالات المجالية.

يبدو أن قيادة التجمع الوطني للأحرار، دبرت هذه المرحلة ببعد نظرها وترسيخها للبعد السياسي بدل البعد الانتخابوي الضيق، حتى لا تسمح بخلق تصدع داخل الأغلبية الحكومية، لتتحول لأزمة سياسية.

*باحث في سلك الدكتوراه