تحليل

مقومات المشروع التنموي الجديد بالمغرب

محمد العنتري

مهما كانت جودة التشخيص للحالة الاقتصادية المغربية، سواء على مستوى بنيتها أو على مستوى إستراتجيتها في خلق نماذج تنموية لتنشيط جميع محركات خلق الثروة والنمو وتصحيح كل الطرق والمناهج في دراسة وتفصيل كل المعطيات الموجودة في بيانات مراكز ومؤسسات الدولة، لا يسعنا في هذا العمل إلا أن نغوص في كل الفرص التي يعطيها ويمنحها الواقع الداخلي من الموارد بمختلف تشعبانها مع انسجامها مع قامة الإكراهات الخارجية ومدى قدرتها التنافسية الكبيرة جدا والقاسية في بعض الأحيان.

إن المتتبع للطريقة والأسلوب الذي به الشأن العام، سواء الترابي أو المركزي منه، يجد أن هناك آفاقا للتنمية والتطور؛ لكن هناك الحاجة إلى المبادرة المؤسساتية مع القرارات العقلانية الجريئة والمسؤولية الأخلاقية والتقنية في ابتكار نماذج تنموية جديدة تضع حدا لكل التشخيصات المتراكمة والتي أبانت عن ضعفها وربما عن عدم ملاءمتها لواقع أصبح أكثر تعقيدا على مستوى فهمه وتدقيقه.

قراءة في النموذج التنموي الحالي

من المتفق عليه أن مجموعة من المتدخلين من مؤسسات عمومية استشارية ومكاتب دراسات تابعة للدولة تسهم في إنتاج الأرقام والإحصائيات اللازمة، في أفق استثمارها وبلورتها إلى مداخل تنموية ميدانية؛ لكن تداخل هذه المؤسسات في رؤيتها مع مختلف القطاعات الحكومية تعيق عملية تجهيز خيار تنمويي يرضي الجميع والقادر على خلق قيمة مضافة تنعكس على المواطن من جهة، وعلى التوازنات الماكر واجتماعية والماكر واقتصادية من جهة أخرى، بالإضافة إلى جميع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين المعنيين بالتنمية وآفاقها، الأمر الذي يثبت إلزامية تجميع وتوحيد كل المجهودات في إطار جسم موحد تسند إليه وضع خريطة التنمية على المدى البعيد وليس مساهمات ظرفية التي لا تمثل الانخراط التام والصادق في مشاريع التنمية.

لزاما علينا هنا أن نستحضر هنا مجهودات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؛ لكنها محدودة بحكم رعايتها وتمويلها لمشاريع صغيرة معيشية، ضعيفة في تقنياتها ومواردها مع صعوبة الحصول على دعم هذه المبادرة إداريا وعدم قدرتها على استيعاب حجم الطلب الراغب في الاستفادة من أصولها بصفتها مؤسسة مانحة وليست بمؤسسة استثمارية؛ الشيء الذي يحتم توسيع التفكير في خلق مشروع تنموي جديد يجيب عن كل الانتظارات المجتمعية.

اقتراح مشروع نموذج تنموي جديد

عمليا، يصعب تحديد مشروع تنموي جديد يسهم في إيجاد الحلول لمختلف العناصر الطامحة إلى عيش كريم يخرج قاعدة تقدر بـ: 2.8 مليون فقير، من عتبة الفقر؛ لكن إذا تجاوزنا التشخيص فيمكن لنا أن نقترح مسالك ونقطا قد تفيد في صياغة هذا المشروع الذي ينتظره الجميع بشكل فعلي مع الاحترام والاستفادة من جميع التراكمات السابقة في هذا المجال.

1/ توحيد بنك المعطيات والمعلومات لجميع المتدخلين من مؤسسات الدولة وهيئاتها الاستشارية مثل: المندوبية السامية للتخطيط، المركز المغربي للظرفية، مكتب الصرف، وجميع أقسام القطاعات الوزارية المكلفة بالتنمية والتطوير، مع تكوين خلية أفقية تعهد لها صنع وتطوير مشروع نموذج تنموي واقعي قابل للتنفيذ تحت وصاية خبراء ومستشارون دوليون.

2/ تشخيص كل الاستثمارات العمومية وتوجيهها إلى القطاعات الحيوية الاجتماعية، الصحة، التعليم، العالم القروي، مع خلق مؤسسات استثمارية تابعة لهذه القطاعات الوزارية لتقليص الضغط على التمويلات العمومية التي توجد في وضع صعب نظرا لالتزاماتها مع المؤسسات المالية الدولية في إطار مديونية عمومية خارجية ثقيلة نسبيا (309.1 مليارات درهم سنة 2016) مقارنة مع حجم الناتج الداخلي الخام.

3/ إنشاء هيئة رقابة للمشاريع المبرمجة على مستوى المجالات الترابية للأقاليم والعمالات من اجل التخفيف على دور المجلس الأعلى للحسابات كمراقب للمالية العمومية، ويشرك فيها خبراء القطاع الخاص من أجل رفع نجاعتها وتطوير الأسلوب التدبيري لجميع الفاعلين والمتدخلين في جميع مراحل المشاريع المبرمجة.

4/ تطوير أداء الإدارة والرفع من مردوديتها، مع توفير جميع الشروط للانخراط مع ثقافة المشروع وثقافة التدبير بالنتائج.

5/ ضرورة ضخ لمسة التسويق المجالي والتدبير المالي المحلي كمدخل من مداخل الحكامة الجيدة، وتفعيلا لكل برامج الجهورية المتقدمة التي تعبر نموذجا من نموذج التدبير العمومي المتعارف عليه دوليا.

مهما حاولنا فهم واستيعاب طرح نموذج تنموي جديد وما يستلزم من إمكانات بشرية ومادية، إلا أن ذلك لا يمنع من رسم آفاق واعدة لمختلف القطاعات العمومية وفق تصور مضبوط دون تدفق كل المتحمسين له سياسيا، بصفتها مصادر ريعية تغري الخارج عن إطار الالتزام بمبادئ المواطنة الصادقة. طبعا، هذا ورش مفتوح أمام الجميع في ظرف يوجد فيه العلم والعالم في أشد معاركه من أجل ما تبقى من ثروات دول العالم الثالث، دون أن ننسى قيمة البحث العلمي والتكنولوجي وعلاقته بمشاريع التنمية منها الصغيرة والعملاقة.

*باحث في تدبير الشأن العام