تحليل

قرار المحكمة الأوروبية مناورة "كلاسيكية" لجبهة البوليساريو

عبدالله بوصوف

يمكن الجــزم بـأن قــرار محكمة العـدل الأوروبية بلوكسمبورغ لـيوم 27 فبراير 2018 المتعلق بتفسير اتفاقية الصيد البحري والفلاحـة المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي سنـة 2012، يـدخل ضمن "كلاسكيات" مناورات جبهة البـوليساريو وبحثها عن تنويع جبهات العرقلة بين السياسية والإعلامية والقضائية والقانونية و"السياسة البُـكائية" لـدى المنظمات الـدولية غير الحكومية، ضدا على مبادرة الحكم الـذاتي المقدمة من طرف المغرب منذ أبريل 2007.

لـذلك، فقـرار المحكمة الأوروبية ليوم 27 فبراير 2018 يُشكـل إحدى تــلك الجولات من صراع يـلـبس أكثـر من قنــاع، لكن هـذا لا يـنفي خطـورة الـقرار ومــدى تأثيــره على العلاقات المغربية ودول الاتحاد الأوروبي وتأثيره على تطــور ملف الصحراء المغربية.

لقد وقـفت العديــد من قــراءات قـرار المحكمة الأوروبية عند القول إن الحكم سياسي أكثر منه قانوني، وإن المدعي العام للمحكمة وكذا المحكمة الأوروبيـة قــد لبسـت عباءة السياسي وهي تفسر اتفاقيـة الصيد البحري والفلاحـة لسنة 2012، وهو ما اعتبرته جبهـة البوليساريو وأبـواق قصر المرادية نصْـرا يــتزامن مع ذكرى تأسيس البـوليساريو في فبراير من سنة 1976.

في المقابل، شكلــت هـذه الـمناورات اليـائـسة متعــدة الأشكال حافــزا للمغاربة لـمضاعفة الجهود ومواصلة اليقظة والتعبئة للتعريف بعدالــة قضيتنا وبالــتقدم الذي تعرفه بــلادنا، والتصدي لمناورات الخصوم.

اليـوم يجب التـذكيـر بـأن ملـف الصحراء المغربية شكـل بحق بقعـة ملـيئة بألغـام قـانونية وسياسية وقضائية وكذا إعلامية؛ حيث تكالـبتْ مجموعة من الجهات بعوض ضد مصالح المغرب ووحدته الوطنية والترابية.

وهـذا قـول خـال من كل إفـراط في الوطنية قـد تُـصيبُـنـا "بعُمى الحقيقـة"، بـل وبكل مـوازيــن الموضوعية نقــول إن ملف الصحراء المغربية مُـسيس منذ الـقرار 1514 لسنة 1960؛ حيث تم إدراج الصحراء المغربية ضمن قوائم الأمم المتحدة للبلدان التي تنتظر تصفية الاستعمار تحت ذريعة الفصل 73 من ميثاق الأمم المتحدة وبضغط من قوى الحرب الباردة آنــذاك.

وللحديث عن قرار المحكمة الأوروبية ليوم 27 فبراير 2018، وجب التذكير بقرار المحكمة ذاتها ليوم 10 دجنبر 2015 بخصوص إلغـاء الاتفاق التجاري بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي لسنة 2012، بمعنى إن القراريْـن لهما الهدف نفسه، أي إلـغاء الاتفاقية وتعارضها مع القانون الدولي.

ففي سنة 2015، كان المدعي هو جبهة البوليساريو وتم استئناف الحكم من طرف مؤسسات الاتحاد الأوروبي نفسه؛ حيث جـاء قــرار الاستئناف بأن جبهة البوليساريو ليس لها صفة التـقاضي.

أمـا في سنة 2018، فإن المدعي هو "ويستيرن صحرا كومباني"، وهي منظمة بريطانية غير حكومية، تضم شبكة جمعيات تدافع عن المصالح الاقتصادية للبوليساريو، بمعنى أوضح فهذه المنظمة هي إحدى أذرع البوليساريو على مستوى إصدار التقارير الاقتصادية والاستثمارية، وبمعنى فـاضح فهذه المنظمة تقـود حــربا قــذرة ضد اقتصاد المغرب، خاصة استثماراتـه في أقــاليمه الجنوبية، انطلاقـا من مكتبهــا ببريطانيا وفروعها بأوروبا. وهُـنا يحضر وبقــوة ســؤال: من يُــمول تحركات هــذه المنظمة منذ سنة 2005؟

فمنظمة "ويسترن صحرا كومباني" أقامت دعوى أمام المحاكم البريطانية ضد مؤسسات بريطانية خاصة بالجمارك والمواد الغذائية والتنمية والعالم القروي، مفادها أنها تساهــم في إدخال منتوجات بحرية وفلاحيـة غير قانونية إلى بريطانيا، وهو ما جعل المحكمة العليا البريطانية تُـحيل الدعوى على محكمة العدل الأوروبية لـتفسير تطبيق الاتفاق المعمول به في مجال الصيد البحري والفـلاحـة بين الرباط وبروكسيل.

وهُـنا سـيـبـرز دور المحامي "جيل ديفيـر" كـممثل دفـاع البوليساريو في القضية لسنة 2018، الذي كان قــد خسر الاستئناف في الدعوى نفسها سنة 2015، وقـد بـرز اسمه أول مرة ضمن 40 محاميا مثلـوا حـوالي 350 منظمة غير حكومية أمام المحكمة الجنائية الدولية سنة 2009 بخصوص حرب غزة، ثم حرب غــزة 2014.

واختيار المحامي جيل ديفير لـم يكـن صدفة أو ارتجاليــا أو لأنه بـارع فـقط، بل لأنه كان طرف دفـاع في قضية غــزة، وقـد أشرنـا في مقـال سابـق إلى كل "السرقات الموصوفة" التي تقوم بها جبهة البوليساريو في حق القضية الفلسطينية وبحثها عن التماهي معها وسرقة نضالها وعدالـة قضيتهــا، بــدءا بـسرقــة رمزيــة العلــم الفلسطيني إلى أدبـيات النضال الفلسطيني الأخرى.

حكــم 27 فبراير 2018 بعدم جواز امتـداد بنـود الاتفاقية إلى الأقاليم الجنوبية المغربية بدعوى أنها "مناطق متنازع عليها"، ليس نهايـة العالـم، كما أننا لا ننتظر دروسا في تـاريخ وجغرافية المغرب لا من لوكسمبورغ ولا من قصر المرادية ولا من مخيمات تينـدوف.

إلا أن ما فضح البوليساريو وأوليـاء نعمتها صراحة، هو رغبتها في تعويض المغرب في الاتفـاقية نفسها مع بروكسيل، وقــد تناست أولا عدم اعتراف دول الاتحاد الأوروبي بالجبهة، وثانيا حكم المحكمة الأوروبية نفسها بعـدم تـوفر البوليساريو على صفة التقاضي، وأخيرا فمادامت الصحراء المغربية "متنازع عليها" فما يُحرم على المغرب يجب أن يُحرم على البوليساريــو.

مما يعني أيضا أن الهدف الأول هو عرقلة المغرب في تنمية صحرائه، هذا مع العلم أن جلالة الملك محمد السادس كان قـد أعلـن في خطاب الذكرى الأربعين للمسيرة، 6 نوفمبر 2015، يعني قبــل نطـق المحكمة الأوروبية بحكم يــوم 10 دجنبر 2015، عن تخصيص غـلاف مالي ضخم تجاوز 8 ملايير درهم لتمويل مشاريع استثمارية كبرى اجتماعية وتعليمية وصحية، بما فيها البنية التحتية للصحراء المغربية (سكة الحديد وطرق وموانئ....)، ومواصلة استثمار عائدات الثروات الطبيعية لفائدة سكان المنطقة، في إطار التشاور والتنسيق معهم في إطار الجهوية المتقدمة.

وذكّر جلالته في الخطاب ذاته بأن فــوسفاط بـوكراع يشكل فقط 2 في المائة من المخزون الوطني حسب المعطيات المعترف بها عالما، ويمكن اعتبار العديد من فقرات الخطاب الملكي نفسه "ككشف حساب" وإجابـات شافيـة ضد كل الحملات المسعورة التي تتهم المغرب باستغلال مــوارد أقـالـيمه الجنوبية.

إن ما يدعـو حقـا إلى الاستغراب في منطوق قرار 27 فبراير 2018 الذي تحدث عن خرق للقانون الدولي في الاتفاقية بين بروكسيل والرباط، هو أن هـذا الـقرار سياسي بامتيـاز وبمعايير سياسية بقيت رهينة لأفكار الحرب الباردة (القرار 1514) تجاوزها مجلس الأمن بقرار 690/1991 الخاص بخطة السلام، ثـم الدخول في مسلسل التسوية السياسية بعد تعثر عمليـات الإحصاء وتحديد الكتـلة النـاخبة، ثم اقتراح المغرب لمبادرة الحكم الذاتي واستعداده للتفاوض بشأنها.

من جهة أخرى، فإن عقد الشراكة بين المغرب وبروكسيل لمارس 2000، هو تطبيق لتوصيات قمة برشلونة 1995 الرامية إلى خلق فضاء تبادل حر أورومتوسطي لم يكن ليتم لو لم تتوفر في المغرب ضمانات الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها، وهو ما تضمنته بنود الاتفاقية وكذا البروتوكول المرافق سـواء لاتفاقية الصيد البحري أو الزراعي أو التبادل الحر.

نُـطمئن فقط أبــواق قصر المرادية وأذرعها الحقوقية والإعلامية التحريضية أننا في صحرائنا باقــون، وأننا نُصر على تسمية البوليساريو بالجبهة الانفصالية، لأننا نعي جيدا معنى التسمية وتـداعياتها القانونية والحقوقية، كما نشكك في شرعية تمثيل الجبهة الانفصالية لكل سكان الصحراء المغربية تــأييدا لما جاء في خطاب المسيرة نوفمبر 2015 بـأن الشرعية الديمقراطية والشعبية التي حصل عليها المنتخبون تجعل منهم الممثلين الحقيقيين لسكان الأقاليم الجنوبية، سواء على مستوى المؤسسات الوطنية أو في علاقتهم بالمجتمع الدولي.

لقد تعودنــا على خوض هذه المعارك باقتراب تـاريـخ كل تقرير سنوي لمجلس الأمن، وهنا نذكـر بمشكل السنة الماضية المتعلق بالمنطقة الحدودية "الكركرات" وذكاء الانسحاب الأحادي للمغرب احتراما للقانون الدولي، وتعنت البوليساريو التي انسحبت بعد انـذارها من مجلس الأمن في فبرايـر 2017.

وأخيرا، نذكــر بمضمون قرار مجلس الأمن رقم 2351 الخاص بالتمديد السنوي للمينورسو لسنة 2017 الــذي أشـاد بجدية وقــوة مبادرة الحكم الذاتي وجهود المغرب من أجل تسوية سياسية سلمية للملف، كما أشاد بلجان المجلس الوطني لحقوق الإنسان بكل من مدينتي العيون والداخلة، وتفاعل المغرب مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، على لسان السيدة "نيكي هـايْـلي"، السفيرة الدائمة للولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة.

إننا نـجـد في خطاب المسيرة نوفمبر 2015 جوابـا جامعا مانعا عن كل المناورات والمناوشات بكل تلويناتها، بما فيها القضائية، التي تستهدف وحدة وأمـن ومستقبل المغرب بـقـول جلالـته: "ومن حق المغرب أن يفتح الباب أمام شركائه ودول ومقاولات عالمية للاستفادة من فرص الاستثمار التي ستوفرها المنطقة بفضل المشاريع الكبرى التي سيتم إطلاقهــا".