قضايا

"التعصيب اجتهاد الماضي " .. فلمَ الضّجيج والتخوين؟

محمد ابن الأزرق الأنجري

التعصيب هو أن يرث الوارث التركة كلها أو ما بقي منها بعد أن يأخذ أصحاب الفروض حظوظهم .

وأصحاب الفروض هم الذين يرثون الثلثين 2/3 أو النصف 1/2 أو الثلث 1/3 أو الربع 1/4 أو السدس 1/6 أو الثمن 1/8

ومسائل التعصيب كلها اجتهاد ورأي ، راعى فيه الفقهاء العرفَ العشائري القديم ، فتجاوزوا عقبات عصرهم .

ونستثني تعصيب الابن مع البنت أخته ، أو الأب مع الأم حين لا يكون هناك ولد ، أو الأخ مع الأخت في حال الكلالة ( عدم الولد ذكرا أو أنثى بنص آية الكلالة الثانية ) ، فإنه التعصيب الوحيد الوارد في كتاب الله تعالى .

وليست العريضة طامحة لحرمان الابن أو الأب أو الأخ ، بل تهدف لحماية البنات وأمهن - حين لا يوجد ابن ذكر - من التشرّد والعنت الناتجين عن مزاحمة الجد أو الأب أو الأخ أو ابن الأخ أو العم أو ابن العم .

فليس للأب إلا السدس مع الولد ولو بنتا بنصّ القرآن : ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) – سورة النساء 11 .

وليس للأخ مع البنت ميراث بنص القرآن خلافا للفقه : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ) – سورة النساء 176 .

ناهيك عن ابن الأخ أو العم أو ابن العم الذين لا دليل خاصا على توريثهم ، ولو لم يكن للميت ولد ، فميراثهم بالعرف لا بالنص ، ولكل زمان عرف .

وقفة تأمّل :

يموت الرجل تاركا بيتا واحدا مخلّفا زوجته وبناته ، فيأتي أخوه أو ابن أخيه أو عمه أو ابن عمه يطالب بحقه ، فيباع البيت ليأخذ نصيبه المدّعى ، وتضطر الأرملة واليتامى للكراء أو التشرد ، علما أن القرآن يرفض ذلك ويمقته .

كتاب الله صريح في أن الأخ لا ميراث له حين يكون هناك ولد كما سلف .

والبنت ولد لغة وقرآنا : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) - النساء 11 .

فلماذا الإصرار على ميراث الأخ أو ابنه أو العم أو ابنه بالتعصيب مع البنت أو البنات ؟

إن قلتم : حديث " ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر " صريح في ميراث أقرب ذكر إلى الميت بعد الزوجة والبنات ، وأن الأخ أو ابن الأخ أو العم أو ابن العم هو أقرب ذكر ، فيرث بالتعصيب .

قلنا : بل الحفيد ابنُ البنت أقرب في وقتنا إلى الميت وأولى بثروته من الأخ والآخرين ، بل هو داخل في الأولاد الموصى بهم المقدّمين على الإخوة .

فهلاّ جعلتم الباقي ، بعد نصيب الزوجة والبنت أو البنات ، لابن البنت الحفيد الأرحم بالبنتِ أمه أو خالته من أخِ أبيها عمّها .

وابن الأخت أولى في عصرنا بالميت من العم أو ابن العم أو ابن الأخ البعيد .

فمن أين لكم ميراثهم بالتعصيب مع الزوجة والبنت دون ابن الأخت ؟

والخالُ شقيق أم الميت أولى من ابن العم ، فلماذا حرمتم الخال وورّثتم ابن العم ؟

والجد لأم أي أبو أمِّ الميت ، أقرب إليه من العم وابن العم القريب أو البعيد ، فكيف أعطيتموهما ومنعتموه علما أنكم تورثون الجدة لأم ؟

أما حديث ميراث شقيق سعد بن الربيع مع زوجته وبنتيه فضعيف سندا مضطرب منكر متنا لا تقوم به حجة .

وعلى فرض صحّته ، فقد كان شقيقُ الميّت في الماضي يضمّ يتامى أخيه إليه ويكفلهم كأنهم أولاده بسلطة قانون العرف العشائري ، فاستحق نصيبا بالتعصيب لذلك عرفا لا نصّا .

والأخ في عصرنا ليس ملزما بكفالة زوجة وبنات أخيه والإنفاق عليهن ، لا بسلطة القانون ولا بقوّة العرف الاجتماعي ، فلا وجه للسماح له بمنافسة يتامى أخيه ومزاحمتهم في البيت أو محلّ التجارة أو أموال مودعة في الحساب ، خاصّة وأن القرآن منعه من الإرث مع الولد ذكرا أو أنثى .

نعم ، هناك استثناءات لا تصمُد أمام القاعدة الاجتماعية العامة .

أما أن يكون عمُّ الميت أو ابن عمه عاصبا مع بنته أو بناته ، فمهزلة بمقاييس عصرنا .

دعونا نفكّر لعصرنا بعقولنا لا بعقول الماضين رحمهم الله ، فإنهم عالجوا مشاكلهم لا مشاكلنا .