منوعات

التحرش الإلكتروني كابوس يطارد الفتيات

أحمد جمال ( عن موقع لها)

تشهد وسائل التواصل الاجتماعي وقائع تحرش عديدة بالفتيات، ويشعر المتحرش أن ارتكابه مضايقات عبر الإنترنت آمن بدرجة كبيرة مقارنة بالتحرش المباشر، وذلك لصعوبة إثباته، على رغم أن القانون وضع عقوبة واحدة ومتساوية لكل أشكال التحرش وظروفه وملابساته.

لكن ملايين الفتيات يتعرضن للتحرش الإلكتروني بكل أشكاله، بدءاً من رسائل التعارف المجهولة، مروراً بالشتائم وإرسال الصور المخلّة، وصولاً إلى الابتزاز والتشهير والتهديد والملاحقة والتلاعب بالصور الموجودة على الصفحات الشخصية.


اكتئاب
جهاد التابعي لديها تجربة في التحرش الإلكتروني، تقول عنها: «كنت أستخدم فايسبوك كأي فتاة، ومع مرور الوقت ووضع بعض الصور لي على حسابي، وجدت الرسائل تنهال عليَّ وتحمل أرقام هواتف وصوراً ومعاكسات من قبل الشباب من مستخدمي الموقع، فتخيلت في البداية أنني الوحيدة التي يحدث لها هذا الأمر، ودخلت في نوبة اكتئاب وخوف، وقررت عدم استخدام هذا الموقع نهائياً. لكن عندما سألت صديقاتي عن الموضوع، وجدت أن جميعهن يتعرضن لما حدث لي، وبصورة متكررة، وفي شكل أوسع، لكن رد فعلهن لا يتعدى التجاهل».
تضيف جهاد: «للأسف، دائماً ما يبرر البعض التحرش بأن الفتاة هي السبب فيه بسبب ملابسها أو خروجها في وقت متأخر، لكن هذا غير حقيقي، والدليل أن الشباب الذين يرتكبون المضايقات على الإنترنت، في معظمهم، لم يروني أصلاً، لكنهم يتحدثون معي بهذه الطريقة لمجرد أنني فتاة، حتى أن بعضهم يتحرش بالفتيات حتى من دون أن يضعن صورهن. وللتحرش أشكال عدة، أبرزها أن يدخل الشاب ويقول للفتاة: «أنت جميلة جداً... ممكن نتعرف؟»، وإذا لم تتجاوب معه يحاول معها أكثر من مرة، وإذا لم ترد عليه ينهال عليها بالسب والشتائم، وقد يعطي اسم حسابها لأصدقائه ليضايقوها، فالواقع مرير جداً بالنسبة إلى الفتيات على هذه المواقع، وكثر من الشباب والرجال يستخدمونها على أنها مواقع مواعدة للفتيات.
تكمل جهاد: «بعدما تعرضت لمضايقات على الإنترنت، قررت أن أؤلّف كتاباً أروي فيه هذه المواقف والمضايقات على هيئة صور من هذه الرسائل، وذلك لمواجهة هؤلاء الشباب والرجال بحقيقتهم، وكان لدي وصديقاتي ما يكفي لملء هذا الكتاب. وأطلقت على أحد فصول الكتاب عنوان «الطيار والـ3 بنات»، وكتبت فيه عن تجربة قمت من خلالها بتدشين حساب وهمي لشاب يعمل ضابطاً طياراً، وجربت أن أتحدث مع الفتيات مثلما يفعل المتحرش، وذلك لقياس مدى تجاوب الفتيات مع المتحرش أو مدى رفضهن للظاهرة كلها، وليس لشخص المتحرش فقط. وللأسف، معظم الفتيات كنَّ يتجاوبن مع هذا الشخص الوهمي لمجرد أنه طيار فقط، بل منهن من كانت تبدأ هي بالكلام، ومن هنا حلّلت الظاهرة وتبيّن لي أن ثمة فتيات قد يتجاوبن مع المتحرش على أمل أن يتزوّجنه وخوفاً من شبح العنوسة، وهو ما يجعلهن مطمعاً لهؤلاء الشباب، وبالتالي لا بد أن ترفض الفتيات كل أشكال التحرش الإلكتروني، أياً كانت تفاصيله وظروفه».

التطفّل
أما آية عاطف، طالبة في كلية الحقوق - جامعة القاهرة، فتقول: «أعاني وكثيرات من المتطفلين على حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تأتي إليَّ الرسائل بصورة يومية من أشخاص مجهولين، لمجرد أنهم رأوا صورتي أو اسمي عند دخولي إلى أي صفحة، والأكثر من ذلك عندما تدخل أي فتاة إلى إحدى الصفحات العامة وتعلِّق على أي منشور، تجد نفسها محاصرة بين العشرات من الشبان والمراهقين، الذين يبثّون تعليقاتهم السخيفة، ظناً منهم أن هذا نوع من «خفة الظل».
وعن أبرز المضايقات التي واجهتها على مواقع التواصل، تلفت آية: «هناك موقف أعتبره من أكثر المواقف الغريبة التي تعرضت لها، وهو أن شخصاً ما على فايسبوك أرسل لي رسالة عام 2012 يطلب فيها التعارف، وفي حينها فتحت الرسالة ولم أرد عليه، ومذاك يرسل لي هذا الشخص الرسالة ذاتها في الشهر ذاته سنوياً الى الآن، لا أدري ما السبب في هذا، لكن الأمر أدهشني جداً، وقد أخذت صورة من رسالته في عام 2017 ونشرتها على صفحتي، متعجِّبة من سبب إقدامه على هذا الأمر واختياره هذا التوقيت، لكن ما أيقنته أنه يطبّق نظرية «لا يأس مع الحياة» بحذافيرها».

من الإعجاب إلى السب والشتم
ندى بسيوني، 25 سنة تعمل في أحد البنوك، لها تجربة أيضاً في التعرض لمضايقات على الإنترنت، تقول عنها: «في كل وقت أضع صورة جديدة على صفحتي الشخصية، أجد شخصاً ما ليس صديقاً عندي ولا أعرفه، يدخل ليتحدث معي ويبدي إعجابه بصورتي، طبعاً لا ألتفت الى هذا الأمر، وهو إلى الآن لم يصل إلى درجة المضايقة، لكن بعد ذلك إذا لم أتجاوب معه، يتحول إلى شخص قليل الأخلاق وينهال عليَّ بالسباب والشتائم، فقط لأنني لم أرد، وأنا طبعاً لا أملك إلا أن أقوم بحظره، وهذا أسلم الحلول في تلك الحالات».
وعن أكثر المواقع التي تتعرض فيها الفتيات لمضايقات، توضح ندى: «يُعتبر فايسبوك من أكثر المواقع التي تتعرض فيها الفتيات لمضايقات، وذلك لأنه أكثر مواقع التواصل شعبية على الإنترنت في مصر، فضلاً عن أنه بعد التعديل والتطوير المستمر في الموقع، أصبح من السهل على الشخص المتطفل الوصول إلى الفتيات بمجرد البحث عن أسمائهن، وبالتالي قررت منذ فترة أن أترك هذا الموقع وأغلق حسابي عليه، لكن للأسف لم أستطع فعل هذا، على رغم أن هناك مواقع أخرى أكثر أماناً، إلا أنها ليست منتشرة في مصر ولا نستطيع التواصل مع أصدقائنا من خلالها.

ضعف وخوف
مينا سمير، اسم تداوله نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، حيث تحوّل ضابط الشرطة الذي يبلغ من العمر (26) سنة، من مدرب ومهتم باللياقة البدنية، إلى شخص يكرس جزءاً كبيراً من حياته لمكافحة المتحرشين على الإنترنت، ووصل عدد متابعاته إلى أكثر من مليون في فترة وجيزة.
وفي هذا الشأن، يقول مينا: «في البداية، كانت لديَّ صفحة صغيرة لا تتعدى الـ100 ألف متابع، وكانت تهتم بالصحة واللياقة، وكنت أدير هذه الصفحة بنفسي وبسياسة مضادة تماماً للتحرش أو حتى التلميحات غير المفهومة من الشباب للفتيات. فطلبت مني إحدى المشتركات في الصفحة أن أساعدها في مواجهة شخص ما يهددها ويبتزها على فايسبوك، وبالفعل قمت بهذا، وكتبت على صفحتي أن أي فتاة تتعرض لمضايقات أو تحرش على الإنترنت يمكنها الاستعانة بي وسأساعدها بكل الطرق، وبدأت تنهال عليَّ طلبات الفتيات لإنقاذهن من المتحرشين».
ويضيف مينا الذي يعمل مدرب لياقة بدنية: «لديَّ قناعة بأن الشخص المتحرش أو المبتز للفتاة على الإنترنت هو شخص جبان وضعيف جداً، فعندما يشعر أن الموضوع سينتشر، مثل أن تنشر الفتاة محادثاته معها على صفحتها أو على إحدى الصفحات المشهورة، يتراجع فوراً، وبالتالي نحن نواجه المتحرش من هذه النقطة ونستغل ضعفه وخوفه، فهذا الشخص إذا وجد الفتاة ضعيفة يستغلها، لكن إذا كانت قوية في ردودها ينسحب على الفور».

حملة الكترونية
«مبروك - أنت متحرش إلكتروني مشهور»، حملة جديدة دشّنها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وتهدف - وفق مديري الحملة - إلى نشر وقائع التحرش والابتزاز في شكل موثق من خلال الصور أو الفيديو، وذلك لفضح المتحرشين ومساعدة الضحايا. ومع بدء تدشين الحملة، حدث تفاعل كبير معها، حتى وصل عدد أعضاء الصفحة الخاصة بها إلى 130 ألف عضو».
يقول أحمد رمضان، مؤسس الحملة، إن الفكرة في البداية كانت لرصد التحرش على الإنترنت، بخاصة التحرش الجنسي، وهو إرسال إيحاءات أو صور جنسية صريحة للفتيات على مواقع التواصل، إلى أن تطور الأمر بعد ذلك، وأصبح بإمكان أي فتاة تتعرض للتحرش، من خلال مكالمات الهاتف، أن تنشر رقم هذا المتحرش على الصفحة، كما أنه يمكن أي فتاة تتعرض لذلك في الشارع أن تكتب موقف التحرش مع إرفاق صورة للمتحرش، على مسؤولية الشخص الناشر لهذا الكلام، حتى لا تستخدمنا بعض الفتيات للانتقام من أشخاص لديهن مشاكل وخلافات معهم».

انحراف أخلاقي
تقول الدكتورة سعاد عبدالرحيم، مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية: «شهد الواقع الاجتماعي متغيرات في السنوات الأخيرة مع انتشار وسائل التواصل الإلكتروني، وبالتالي لم تعد المقابلة المباشرة ضرورية للقاء المتحرش بضحيته، كما كانت الحال في السابق، وانتفى شرط الزمان والمكان، ما سهل على المنحرفين أخلاقياً الوصول إلى ضحاياهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، فراحوا يبثون سمومهم عبر الرسائل غير اللائقة، من تلميحات وعبارات قد تصل إلى حد الشتائم بل والصور الإباحية».
وتكشف الدكتورة سعاد أن البعض وصل بالتحرش الإلكتروني إلى حد التهديد والابتزاز باستخدام صور الضحية، وهذا قمة الانحطاط، مع التنبيه إلى نقطة جوهرية، وهي زيادة التحرش مع تزايد انتشار ثقافة الاستعراض من خلال نشر الفتيات صورهن ومعلومات شخصية عنهن، ما يجعلهن فريسة سهلة لمن يعانون من الانحراف الأخلاقي والفراغ النفسي والعاطفي، الذين يمضون ساعات طويلة على الإنترنت الى درجة الإدمان، مع الرغبة في اصطياد فريسات للتسلية.
وتنهي الدكتورة سعاد مؤكدة أن ظاهرة التحرش بدأت باستخدام البريد الإلكتروني، وزادت مع إساءة استخدام غرف الدردشة والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وتويتر والواتساب وغيرها، وزادت بسبب تراجع منظومة القيم الاجتماعية، بخاصة مفهوم «العيب» الذي كان يمنع الرجل من التحرش بالمرأة لأنها كأخته أو ابنته أو أمه.

 

عقبات
عن التحليل النفسي لشخصية المتحرش إلكترونياً، تؤكد الدكتورة هبة عيسوي، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، أن المتحرش، سواء كان إلكترونياً أو غير إلكتروني، مريض نفسي بدرجة «جاني» مع سبق الإصرار والترصد، وأعتقد أن المريض بالتحرش الإلكتروني هو في الأصل مريض بالتحرش المباشر في غالبية الأحوال، لأن المنحرف أخلاقياً تصرفاته واحدة في المواقف المختلفة.
وتشير الدكتورة هبة إلى أن التحرش بكل صوره وأنواعه يؤدي إلى إصابة الضحية بحالة من الاكتئاب النفسي، لأن المتحرش ينظر إليها كفتاة سهلة تتأثر بكلمات منطوقة أو مكتوبة على الإنترنت.
وتكشف الدكتورة هبة أن التحرش يؤدي إلى شعور المرأة – أياً كانت سنها – بعدم الأمان والراحة النفسية، بخاصة لدى صغيرات السن، ما يقلل ثقتها في الجنس الآخر، وقد يؤدي هذا إلى إصابتها بـ «عقدة نفسية» من الرجال، ويجعلها تضرب عن الزواج، لأن كل الرجال يصبحون في رأيها متحرشين ولديهم قابلية للخيانة.
وتنهي الدكتورة هبة كلامها مطالبةً بسن تشريعات قانونية لمعاقبة المتحرش الإلكتروني، مثلما تتم معاقبة المتحرش في الشارع أو العمل أو الأماكن العامة، لأن الجريمة واحدة، حتى لو كان المتحرش مجهولاً بالنسبة إلى المتحرش بها، ولا شك في أن هناك عقبات قد تواجه إثبات التحرش إلكترونياً، لأن المتحرش قد يكون متخفياً تحت أسماء وهمية، لكن الردع القانوني قد يجعل فئة من المتحرشين تخاف على نفسها من افتضاح أمرها، فتبتعد عن التحرش.