قضايا

تكريم المرأة على الطريقة الإخوانية (3)

أحمد عصيد

في هذا المقال الثالث والأخير نتناول حديث الدكتور أحمد الريسوني عن: "الابتزاز الجنسي في المحافل والمؤسسات"، و"عارضات الأزياء وملكات الجمال"، وكذا" زوجات الرؤساء والزعماء السياسيين"، وهي المجالات التي رأى الدكتور الريسوني أنها مهينة للمرأة وحاطة من كرامتها في الغرب، فلنفحص ذلك عن قرب:

- الابتزاز الجنسي في المحافل والمؤسسات:

كتب السيد الريسوني يقول:"الحديث عن شيوع الابتزاز الجنسي للنساء والفتيات، والطالبات والتلميذات، وما يشكله لهن من إذلال وامتهان، أصبح على كل لسان، ولم يعد محصورا في همساتٍ وحكاياتٍ تتداولها المجالس الخاصة، أو في تقارير وتحقيقات صحفية من حين لآخر، أو في بعض “الاعترافات الجريئة”، لهذه الفنانة أو تلك".

لا ينتبه الفقيه إلى أنّ الموضوع الذي يخوض فيه يدخل ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، بينما أورد ذلك كما لو أنه متعارف عليه ومقبول باسم "الحداثة الغربية"، والحقيقة أن من ثبت في حقه التحرش أو المساومة من موقع الرئاسة أو السلطة بمختلف معانيها، أو استغلال ضعف الآخرين لاغتصابهم أو ابتزازهم جنسيا يُحاكم ويُعاقب بأشدّ العقوبات، يحدث هذا في المغرب فكيف بالبلدان المتقدمة، مع وجود الفارق طبعا بين تلك البلدان المتقدمة وبلدان المسلمين المتخلفة، والفارق هو أن في هذه الأخيرة يمكن للجاني الإفلات من العقاب إذا كان مقربا من الحاكم أو من ذوي النفوذ، أو إذا كان صاحب ثروة يستطيع تقديم الرشاوى للموظفين والقضاة الفاسدين.

فالابتزاز الجنسي ليس من ثمرات الحداثة ولا هو من إيجابياتها، لكن الذي هو نتاج الحداثة هو عمل المرأة وخروجها إلى الفضاء العام ومشاركتها الرجل في كل المجالات وإثباتها لكفاءتها واستقلاليتها، وهو ما يؤدي ببعض الرجال من عديمي المروءة إلى اقتراف الأخطاء والوقوع في الأوضاع المُخلة التي لا يقبلها الحسّ السليم، كالتحرش والاغتصاب والمساومة اعتمادا على ما في أيديهم من سلطة، وهو أمر لا علاقة له بالحداثة، ولست أدري أين وجد الفقيه بأن كل هذه الانحرافات (التي لا تدخل ضمن مجال الحريات والحقوق) هي من مبادئ الحداثة أو من قيمها ونتائجها المطلوبة.

ما نعرفه بهذا الصدد هو أن مرحلة ما قبل الحداثة ، عرفت في بلدان المسلمين أمورا منكرة، حيث كانت هذه البلدان غارقة في أنواع الإقطاع والظلم إلا المناطق التي كانت قادرة على حماية نفسها بنفسها من سطوة الحكام وذوي الشوكة والنفوذ، ففي ظل الخلافة العثمانية مثلا كان الوُلاة الغاشمون يتفننون في اضطهاد الناس وإذلالهم، وكان من الأساليب المتعارف عليها للإذلال والإخضاع اغتصاب النساء والفتيات بطرق وحشية، ومن بقايا هذه الأساليب القديمة التي كانت سائدة في ظل الخلافة الإسلامية ما كان يفعله أبناء الحكام العسكريين العرب أمثال أبناء صدام حسين، الذين كانوا لا يتورعون عن اختطاف واغتصاب الفتيات اللواتي تبلغهم أخبار جمالهن، وهي أمور مهولة لا يمكن أن تحدث بالغرب الحديث.

ولهذا نستغرب من قول الشيخ متحدثا عن الحقوقيين:"فأين هي المنظمات والشخصيات الحقوقية والنسائية من هول هذه الكارثة، أم أنها تحظى عندهم بالتسامح والتعاطف، لكونها سلوكا حداثيا تحرريا ؟ أم شغلتهم عنها معضلة "التعصيب" وكارثة زواج “القاصرات”؟

فالحقوقيون لا يقبلون بهذه الممارسات ويعتبرونها ضمن الجرائم، ومواقف الحركة النسائية في ذلك معروفة لدى كل من يتابع قضايا الوطن عن كثب، وكان على الشيخ الاطلاع على أدبيات الحقوقيين والحركات الديمقراطية ليكون على بينة.

أما سبب اهتمام الحقوقيين بكارثة "التعصيب" التي أقحمها الشيخ في الموضوع فلم يعُد خافيا على أحد، إذ أن تشريد العائلات والاعتداء على حقوق الفتيات والنساء، واستئثار من هبّ ودبّ من الذكور بنتائج عملهن دون وجه حق ودون وخز ضمير، هو الذي يؤدي إلى الكثير من الآفات الاجتماعية، التي أقلها تشريد الفتيات وتركهن بلا مأوى بعد وفاة الأب أو الأم. وحريّ بالفقهاء من منظري "مقاصد الشريعة" أن يكونوا سباقين إلى إيجاد الحلول الكفيلة برفع الظلم عوض تكريسه باسم الفقه والشريعة.

عارضات الأزياء وملكات الجمال:

كتب الفقيه يقول:"هذه مهزلة أخرى ومهانة أخرى مما يتسلى به الناس على حساب المرأة وكرامتها. فمسابقات ملكات الجمال، ومعارض الأزياء، هي مهانة نسائية بامتياز لا يقبل المنافسة. وفيها تنكسر وتنحصر قيمة المرأة، في إمتاع الناظرين والمتفرجين، بجسدها ونحافتها ورشاقتها وحركاتها ولباسها وما يكشفه من سَوأتها، على أن تستفيد هي من تصفيقاتهم وما تيسر من نقودهم".

يكشف هذا النص عن أنّ نظرة الفقيه إلى المرأة لم تتغير رغم كل الانقلابات التي عرفها الواقع الإنساني، فهي بالنسبة له عورة ينبغي تغشيتها بأنواع القماش الداكن اللون، إنها كائن بلا عقل ولا شخصية ولا تكوين، لم يقم الشيخ بأي جهد لفهم كيف تجري مسابقات ملكات الجمال عالميا، وما هي المعايير المعتمدة لفرز ملكة الجمال وتتويجها، فهو يعتقد أنها مسابقة في "النحافة" واستعراض الأجساد فقط.

لا يعرف الشيخ بأنه لكي تتقدم فتاة إلى مسابقة ملكة جمال العالم مثلا لا بدّ تستعد لذلك ليس جسديا فقط بل وفكريا وثقافيا كذلك، حيث تبذل جهدا كبيرا لكي تتوفر على ثقافة عامة واسعة، ما يجعلها تقبل على القراءة والمطالعة الكثيرة، لأنها تُسأل في معارفها، ولا يعرف الشيخ بأن المتباريات تتنافسن أيضا في مشاريعهن في الحياة التي تنشغلن بها، وكيف تجعلن تلك المشاريع نافعة للبشرية، ولا يعرف الشيخ كذلك بأن من شروط الفوز التوفر على نظرة إنسانية لمستقبل الأرض وقضايا الشعوب، حيث تسأل المتباريات عن قضايا الحروب والبيئة والهجرة والفقر وغيرها، وسيكون عليهن أن تقدمن أفضل الأجوبة وأرقاها، ومنهن من تستغل التباري للتعريف ببلدها الأصلي وبثقافته وحضارته عبر الصحافة.

كل هذا لم يره الشيخ ولم يهتم إلا بأجساد المتباريات، لأنّ كل واحد يعمل في حدود عقله، فالمعروف عن الفقهاء أنهم "أهل الظاهر"، الذين يقفون عند قشور الأشياء ولا ينفذون إلى أعماقها، وكان ذلك من أسباب صراعهم مع الفلاسفة والأدباء والشعراء والمثقفين منذ الأزل.

ـ زوجات الرؤساء والزعماء:

في هذا الموضوع كتب السيد الريسوني ما يلي: "من العادات العصرية التي يظن الناس عامة، والنساء خاصة، أنها من الأمجاد التي حققت للمرأة المكانة والتمكين في هذا العصر، تلك المرافَقة والملاصقة البروتوكولية التي تحظى بها زوجات الزعماء السياسيين لأزواجهن.. فحيثما تحرك الرئيس والزعيم، وحيثما حل وارتحل، إلا وزوجته كظله، تسارع الخطى لتظهر خلفه أو بجانبه، وتتبادل القبلات وتلتقط الصور مع ضيوفه أو مضيفيه. وقد ترى نفسها أسعد نساء العالم، لكونها توصف بأنها السيدة الأولى... وهذا كله ليس سوى أوهام زائفة..".

مرة أخرى يقع الشيخ في كبوة سببها سوء الاطلاع والرجم بالغيب، فهو يعتقد أنه يمكن له الحديث في قضايا من هذا النوع بإلقاء الكلام على عواهنه، والحال أن الموضوع بحاجة إلى بعض الاطلاع، وكان على الشيخ أن يستشير بعض زملائه من وزراء حزب العدالة والتنمية أو بعض أطر وبرلمانيي الحزب ليخبروه عن برامج عمل زوجات الرؤساء ويعدوا له ملفا في الموضوع، وحتى يدرك الشيخ مقدار خطئه يكفي أن نذكره ببعض الأمثلة: الأول أنّ زوجة الرئيس الأمريكي كلينتون صارت وزيرة خارجية بعد مدة من مرافقة زوجها، بل إنها ترشحت لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، فكيف حصل ذلك إذا كانت مجرد ديكور ؟ ألا يؤمن الأمريكيون بالكفاءة والخبرة ؟

المثال الثاني سيندى له جبين الشيخ لا محالة، ففي عام 2015 حلت بالمغرب السيدة الأولى للولايات المتحدة ميشيل أوباما في زيارة للمغرب، وكان هدف الزيارة تشجيع المبادرة الأمريكية “دعوا الفتيات يتعلمن” التي أطلقت لصالح تمدرس الفتيات وخاصة في البوادي، جاءت السيدة الأولى من أمريكا لتشجع المغاربة على ترك الفتيات يتعلمن في المدارس، وتتباحث معهم حول العوائق التي تمنعهن من إتمام الدراسة، وهي لا تعلم بأن البلد الذي جاءت إليه يوجد به رجل فقيه يدعى أحمد الريسوني يعتبر اغتصاب الطفلات باسم الزواج "عشرة حلالا" ويدعو إلى تكريسه.

أما المثال الثالث فيتعلق بزوجة الرئيس الصيني التي نالت إعجاب الناس ببساطتها وحنكتها ونشاطها، حيث عملت بنجاح كبير على تحسين صورة بلدها الصين في العديد من دول العالم.

الحقيقة أن زوجات الرؤساء في العالم المتقدم لسن أقل انشغالا من أزواجهن، ولعل الشيخ يخلط بين زوجات هؤلاء الرؤساء وبين زوجات أمراء الخليج اللواتي يقضين الوقت في التبضع وشراء أساور الذهب والألماس والتزين أمام المرآة وتكديس الشحوم استعدادا لاستقبال الأمير في المساء، ولا يفهم الشيخ بأن في البلدان الغربية وبلدان الشرق الأقصى لا يجوز لأحد أن يظل بلا عمل ولا شغل، وأن هذا النوع من العطالة والفراغ موجود في بلدان المسلمين (خاصة شمال إفريقيا والشرق الاوسط)، حتى أصبح الكسل والتبلد الذهني خاصية ملازمة لهم، فتراهم يسعون وهم في بلاد الغرب إلى أن يحصلوا على تعويضات البطالة ويعيشوا منها متهربين من العمل.

زوجات الرؤساء يا سيدنا الشيخ لهن برامج عمل كثيفة تتعلق بمجالات العمل الاجتماعي والتعليم والتربية والهجرة والبيئة وغيرها من المجالات، وقامت كثيرات منهن بأعمال جليلة لا يراها إلا الذين يقدرون العمل الصالح حق قدره.

وفي كل مرحلة يتم ترتيب زوجات الرؤساء عالميا وفق معايير منها: أن تكون قدوة في عملها واهتماماتها وذوقها وحتى في أسلوب حديثها وتخاطبها مع الناس، وليس من ضمن المعايير أن تكون ظلا لزوجها وديكورا لتحركاته كملا قال شيخنا الريسوني.

سألني أحد الظرفاء قائلا: لماذا تعطي كل هذا الاهتمام لنقد موقف ضعيف وفي غاية السطحية ؟ وكان جوابي كالتالي: ليس غرضي الردّ على فقيه أخطأ، بل نقد أسلوب فاسد في التفكير آن الأوان أن ينتهي لعدم مردوديته، كما أن الشيخ مرتبط بتنظيم هو "التوحيد والإصلاح"، والتنظيم مرتبط بحزب يرأس الحكومة هو حزب "العدالة والتنمية"، والسكوت عمن يحتل موقعا كهذا كفيل بأن يُضل الناس عن القيم التي ينبغي أن نؤطر فيها مجتمعنا المغربي، والتي هي قيم الحرية والمساواة والعدل والاحترام المتبادل والعيش المشترك، عوض ثقافة الميز والظلم والإقصاء والكراهية.