قضايا

أفول الإسلاموية بالمغرب

إسماعيل علالي

دعوى المقال:

"إذا كان فشل اليسار العربي في التدبير -وبخاصة المتطرف / الانتهازي- قد أدى إلى تصاعد أسهم الإسلاموية وتوغلها في المجتمع وتقديم نفسها كبديل يمتح رؤاه من مقولات فوق ناسوتية، فإن تخييب الإسلام السياسي، -وإن شئتم قلتم: أدعياء الدين المسيس– أمثال داودي العدالة والتنمية-، لأفق انتظار الجماهير التي آمنت بخطابهم و وعودهم الكاذبة، سيؤدي لا محالة إلى الابتعاد التدريجي عن الدين، والإلحاد بجدوى ازدواج الممارسة الدينية بالممارسة الدنيوية.."

تجليات الدعوى:

إن المتتبع لخطاب تيار الإسلام السياسي بمغرب اليوم، وبخاصة خطاب حزب العدالة والتنمية الذي قاد الحكومة لولايتين، يلمح التغيير الجذري الذي طرأ على خطابات زعمائها الذين أنستهم وِزرة الوزارة أوزار ومعرة نكث العهود التي قدموها للجماهير الشعبية التي تماهت مع خطاباتهم المبشرة بالتغيير والإصلاح أيام المعارضة، قبل أن يكشف الزمن بأنها كانت مجرد أضغاث أحلام، وجرعات أمل كاذب صدقته العامة الحالمة بغد أفضل، المؤمنة بإمكانية تحقيق برنامج سياسي "ميتا-دنيوي" بشروا به ونصوا من خلاله على إخراج المواطن المغربي من بؤس الحال الذي تسببت فيه الحكومات السابقة إلى رغد العيش، وفق استراتيجية تدبيرية يزدوج فيها التدبير الدنيوي بتوجيهات الدين، هذا الازدواج الذي جعلهم يسقطون في آفات كثير منها:

-1آفة تعظيم الذات والتعصب: ونلمحها مباشرة عند تفكيك الخطاب الإسلاموي الذي يتخذ الشعبوية آلية من آليات الإقناع و التأثير في الجماهير، وبخاصة ذات المستوى التعليمي المحدود، كما تتبين لنا آفة تعظيم الذات وتضخم أنا الزعامات الإسلاموية من خلال إحصاء الضمائر الموظفة في خطاباتهم، حيث طغيان الضمائر التكلمية، وإن شئت قلت (أنا الزعيم)،

و نحن الجماعة- وإن شئت قلت (الحزب الخيِّر) -، مع إضمار ضمائر المخاطبة، والتقليل من شأن المخاطبين، سواء أكانوا جمهورا، أم خصما سياسيا، فضلا عن شرعنة المواقف والاختيارات اللاشعبية التي انتهجوها والاحتجاج لها بنصوص ووقائع من دائرة الدين الإسلامي، في اعتداء سافرة على السياقات التاريخية والتداولية التي أفرزتها، وخير ممثل لهذه الزعامة في صفوف العدالة و التنمية رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران.

-2آفة تحقير أعمال الغير: تجلت بشكل واضح للمتتبع لتحولات خطاب الإسلام السياسي بالمغرب عند خروج حزب العدالة والتنمية من دائرة المعارضة إلى سعة رئاسة الحكومة، حيث ألفينا الوزراء الإسلامويين في كل مناسبة يجنحون إلى تحقير أعمال الغير –الحكومات السابقة و الخصوم السياسيين "الأصالة والمعاصرة مثلا"-، والتقليل من قيمتها/هم بدعوى أنها لم ترق إلى مستوى تطلعات الشعب المغربي وآماله، ولا يخفى ما في هذا الادعاء من دلالة على التسلط واعتقاد الانفراد بالصواب في التدبير، وتشكيك في النوايا، وغصب لأعمال الغير وإلغاء لحق الاختلاف في تدبير الشأن العام، الذي هو فعل تشاركي قوامه التكامل لا التفاض الإيديولوجي والتجزيئ.

3-آفة التهويل: غني عن البيان أن الإسلاموي يلجأ إلى آفة التهويل متى أحس بضمور شعبيته، واحتجاج الجماهير الشعبية على تدبيره اللاشعبي، فيعمل ليل نهار بمعية مريديه "أو ما اصطلح عليهم اليوم في مجالنا التداولي بالكتائب الإلكترونية بخاصة- إلى تلميع صورته عبر آفة التهويل التي يعتبرها آلية للتأثير وكسب التعاطف، فيصور نفسه وجماعته بأنه القائد/الحزب المنقذ من الضلال، كما فعل الرئيس السابق عبد الإله بنكيران عندما نسب فضل استقرار المغرب إبان الربيع العربي إلى العدالة والتنمية ورجالاتها، فضلا عن إرسال بعض القيادات الملتحية -يوم الانتخابات- رسائل إلى الدولة العميقة والشعب مفادها أن لا بديل لتدبير المرحلة سوى حزب العدالة والتنمية، واللجوء إلى خطاب التهديد بغد كارثي من شأنه وأد مفهوم الاستثناء المغربي ، إذا ما تم التدخل في العملية الاقتراعية، من قبل الدولة أو الخصوم السياسيين.

فهذه الآفات غيض من فيض آفات الإسلامي السياسي بالمغرب، وبخاصة الحكومة الملتحية بقيادة العدالة والتنمية التي ثارت على كل مقولات التغيير وتحسين الأوضاع الاجتماعية التي بشرت بها في تجمهراتها الخطابية قبل تقلد زمام الحكم، وهي ثورة ترتفع نحو الأسفل وتذكرنا بتدبير اليسار المغربي الآفل نجمه في نسخته الاتحادية، وكذا تجارب يسارية عربية اجترت مقولات و أقوال حمراء عفها الزمن، من قبيل ديكتاتورية البروليتاريا، مقلدة في ذلك تجارب يسارية عالمية حادت عن النهج الديموقراطي الذي شرعن لوجودها، ووقعت في شراك الديدكتاتورية التي ادعت محاربتها عند نشأتها محاربتها، فأضحوا ستالينيين، ويساريين دمويين بدل أن يكونوا يساريين وطنيين.

3-إجمال:

فوة القول في هذا المقال، إن هذه الآفات تبين بالمملموس قرب أفول نجم الإسلاموية بالمغرب وفشلها، لتفتح بعد ذلك المجال لتجربة نقيضة منفصلة كليا عن الدين، قوامها المعارضة الجذرية للأسس التي قامت عليها التجربة الإسلاموية-العدالة والتنمية نموذجا-، التي فشلت في تدبير الشأن العام وصون كرامة المواطنين، ومخالفة أفعالها لروح الدين الذي ادعت أنها تتوسل به وتهتدي بهديه وهو منها براء براءة الذئب من دم يوسف.