فن وإعلام

الفنان محمد اعريوس... صديق الحياة...

إبراهيم إغلان

حزين أنا الآن، غير بعيد عن ذاكرة مشتركة، أو عن تفاصيل، نسجنا خيوطها سويا، أو إن شأت يا صديقي محمد، صنعنا شقوقا، كي نملأها بكلام، الليل وحده يدرك بلاغته، تلك الشقوق التي شاركنا بعض أصدقائنا في إزاحة النمل من الاقتراب منها، قصد الإطاحة بخرافات، ورثناها بمحض الصداقات الممتدة هنا وهناك، من الشمال إلى الجنوب، سيان...

لكنتك الشمالية التي حافظت عليها، هي منطلق الانتماء الى جغرافية وثقافة، لم تكن رحيمة بك، بل منحتك هوية غير مصطنعة في العاصمة، التي ورطتنا في مشاكساتك اللذيذة، وتحليلاتك العميقة في قضايا اللغة والفكر والحياة.... حزين أنا الآن، غير بعيد من فضاء مسكني مشترك، وتحديدا في زنقة لبنان، حي المحيط، حيث راق لك المقام، وحيث أن البحر الغير مضياف لا يشبهك، بقدر اقترابك منه، لا يليق بكرمك، ببيتك المتواضع، وبأثاثك الذي لا يتوفر على مفاتيح وأقفال كعادة البيوت، متاح للجميع، كل الأصدقاء الذين مروا من هناك، عاشوا لحظات فرح استثنائية، نقاش ثقيل على العقل، وخفيف على القلب....

أربعة سنوات، كفيلة بالتعايش مع مختلف حالاتك، الظاهرة والباطنة، وفي كل الأحوال، أنت هو أنت، لا تخيب الظن، لكنك تصر على شتمنا بكل المواصفات التي لا يعرفها غيرك، شتائم باتت تتردد في كلامنا، بل أصبحت مرجعا في لغتنا العرجاء. تدكر جيدا يا محمد، أن جلستك ممتعة، وأن البداية في الكلام معك مغرية لتعميق الصداقات، لكن حين وسط الكلام، قد لا يجرؤ أحد منا في مقاطعتك، أما النهاية في الكلام، فتلك نشوة ما بعدها نشوة....

أنت في كل حالاتك، كريم في الشدة، رحيم في الحياة. أعرفك جيدا، إنها العشرة الطويلة، والعيش المشترك، والرفقة الطيبة مع أصدقاء، يحبونك كما أنت، مناضلا، مثقفا، سينمائيا، كاتبا، مستشارا في فك عزلتنا القاتلة، منصتا لعاهاتنا و أسئلتنا البسيطة والمركبة.....

أنا حزين الآن، قريب منك، في غمرة الوداع التي تأسر كل محبيك الكثر، لا أجد سوى هده الكلمات التي أدعو لك من خلالها بالرحمة، بالصداقة التي حفرنا جزءا منها، أقسم أنني لم أندم على معمارها و جمالها وبؤسها، هي جزء مني، أنت جزء مني، فلك كل المحبة التي تعرف صدقيتها، ولك مني وعد، أن أقاسمك كل لحظة فرح عابرة، لأنك الحاضر دوما في الذاكرة والقلب....

دمت يا صديقي وفيا لمساحة فكرك المتنور، ولحداثة مواقفك وسلوكك، ولجرأة أفكارك، ولإبداعك، ولشجاعتك في الحياة، ونبلك الإنساني الجميل... أنا فرح الآن، بك ومن أجلك، لأنني أنهيت بعضا من بكائي المختبئ، ومسحت عيوني التي لا تتحمل هدا الخبر، الذي مبتدأه أنت...