تحليل

أزمة التواصل في الخطاب السياسي بالمغرب.. الواقع والأسئلة الحية

محسن دالي

أثارت تصريحات العديد من الوزراء والمسؤولين والبرلمانيين بخصوص المقاطعة ردود فعل قوية في الشارع المغربي، وطرحت العديد من التساؤلات بخصوص تواصل المسؤولين السياسيين مع المواطنين، سواء تعلق الأمر بالألفاظ والكلمات والمعاني الموظفة في الخطاب، أو ببنية الخطاب في حد ذاته ارتباطا بالسياق والظرفية والحدث، لنتأمل التعابير التالية:

المداويخ، القطيع، أنا وزير مشي مواطن ديال الزنقة، الخونة، تهديد المواطنين، جوج فرنك... هي فعلا تعابير مثيرة للانتباه في مشهدنا السياسي، أصبحت تتكرر كلما كان الوضع حساسا ويفترض أكبر قدر من الرزانة في التعبير اللفظي، في حدود الاعتبار والاحترام الواجب في السياسي المتعاقد مع المواطن، وتكريسا لثقافة الرقي والتخليق الذي تفرضه المرحلة الحالية، وتفعيلا لبنود ومقررات الدستور في إطار دولة الحق والقانون.

التصريح السياسي، موقفا كان أو ردا للفعل، هو حقيقة موضوعية ونافذة ومؤثرة في الأحداث، للمواطن الحق في أن يتفاعل مع طبيعتها وسياقاتها، وأن يفسرها على الوجه الذي يراه ويستوعبه، إلا أن الإشكال هو حينما ينتفض السياسي في وجه التعبيرات الموضوعية للمواطن، كاشفا عن عدم التطابق بين النوايا المتضمنة في التصريح، على اعتبار أنها ذات متلفظة، وبين مقاصد التصريح في حد ذاته، وأيضا حينما ينتفض المواطن ضد تصريحات السياسي وتعابيره المختلفة. وأيا كان الأمر، فإن الخطورة تكمن في ابتعاد وجهات النظر بين الطرفين، في الظروف التي تفرض عكس ذلك وتحتم تفعيلا إجرائيا وواقعيا لمفهوم القرب... القرب من واقع وهموم ومشاكل المواطنين.

الظاهر أن الاختيارات اللفظية للتصريح السياسي خطيرة جدا، سواء على مستوى الخطاب في حد ذاته من حيث بنيته اللغوية والبلاغية، أو على مستوى السياقات التي تندرج فيها والتي تختلف ارتباطا بالخصوصيات الاجتماعية والأحداث والوقائع. ورغم أن الكثير منها يصدر في إطار الزلة غير المحسوبة أو في إطار التبسيط غير المقصود، إلا أن انعكاساتها غالبا ما تكون سلبية ومربكة لكل الحسابات والتدابير الأخرى من جهة، وغير متحكم في مآلها من جهة ثانية.

فحينما ينفصل اللفظ الموظف في الخطاب السياسي أو غيره عن القاعدة الاجتماعية من الناحية الثقافية أساسا، سواء من حيث التبخيس أو الاستخفاف أو التعالي أو الاستهانة أو التجريح... الخ، تتشكل منطقيا الجبهات الرافضة والمعارضة لشكل وبنية الخطاب من أساسه، وقد يتطور الأمر إلى تغيير جذري في القناعات السابقة، سياسية كانت أو إيديولوجية.

ما حدث مؤخرا في المشهد السياسي المغربي، في إطار ردود الفعل حول المقاطعة وما صدر من تصريحات، هو مؤشر هام على أن الخطاب السياسي على مستوى التواصل مرتبك ومتأزم وغير محدد المعالم، وهذا يؤكد على أنه غير منسجم من الناحية الاجتماعية، ومتجاوز في آليات اشتغاله وفي المستوى التقني لطرحه للعموم.

*أستاذ التعليم العالي متخصص في الجغرافيا السياسية والاجتماعية منسق ماستر الهجرة الدولية المجال والمجتمع