رأي

خُطَّة التَّمْكِين .. من حزب العدالة و التنمية إلى جماعة عبد السلام ياسين !

سقطت العديد من الردود على مداخلة المستشار البرلماني  عبد العالي حامي الدين  في الكَمين الذي نَصَبه مرتزقة "الإسلام السياسي" داخل المؤسسات الدستورية .. إنَّه فخُّ تحريف النقاش عن مواضِعِه من خلال التكتيكات السياسوية الجديدة التي دشَّنَتْها قيادات حزب العدالة و التنمية بعد إنكشاف أوهام البرنامج الإنتخابي الفاشل ، و الذي بِمُوجَبِه تصدَّر الذراع السياسي لجماعة التوحيد و الإصلاح نتائج إقتراع السابع  من أكتوبر 2016 .
و لعلَّ إستعانة التنظيمات المؤدلجة للإسلام بمفاهيم علمية دستورية  ، كالديمقراطية و الملكية البرلمانية  و المواطنة ، مع تغيير أجندتها السياسية مُطالِبة بمراجعة الدستور و إحترام حقوق الإنسان، يأتي في سياق المُراوَغَة السياسوية التي باتَ يُتقنُ فَنَّهَا دهاقنة التنظيمات المؤدلجة للإسلام عبر إعادة تكييف تَقِيَّتِهَا السياسية الخَدَّاعَة ، مع مُتَطلَّبات المرحلة الراهنة و ظروفها الإقليمية و الدولية. 
كما أن بدايات "التأصيل الأكاديمي" لمرحلة التمكين بالدستور نجدها مُوَثَّقَة ضِمْن مخطوطات تحمل عنوان " تجربة الإصلاح الدستوري بالمغرب "  الذي صدر عن منتدى العلاقات العربية و الدولية بقطر ، و  أشرف على تحريره الأمين العام لحزب العدالة و التنمية  سعد الدين العثماني رئيس الحكومة الحالي ، وشارك في صياغة مُحتوياته كل من : عبد العالي حامي الدين ، حسن طارق ، أحمد البوز ، عبد الرحيم المصلوحي ، محمد السنوسي و رشيد المدور.   
فَمُرْتَزِقَة الإسلام السياسي يُدركون تَمامَ الإدراك أن مرجِعِيَّتهم  الضَّالة لا يمكن لها السير في اتجاه يُعاكس مفاهيم كونية باتت تشكل أساسا لا محيد عنه لممارسة السلطة و تدبير الشأن العام.
و رغم أن البرنامج الإنتخابي الذي يُشكل أساس التعاقد الشعبي لحزب العدالة و التنمية لم يتضمن أية إشارة لمطلب الملكية البرلمانية بصيغة دستورية واضحة،  حيث  كان شعار حَمْلَتِهم  الإنتخابية الذي بِمُوجبه كسبوا أصوات جزء من الإرادة الشعبية يشير إلى أن " صوتنا فرصتنا  لمواصلة الإصلاح ". إلاَّ أَنَّهم سرعان ما إنقلبوا على ثقة الناخبات و الناخبين اللذين إختاروهم ديمقراطياً بناءً على أرقام وعودهم التنموية .
و لأن  الأغلبية الساحقة من المجتمع المغربي لا تؤمن بالعقيدة الدينية لجماعة حزب العدالة و التنمية فإن إمكانية فرضها لمشروعها التمكيني تظل جد عسيرة إلاَّ  إذا بلغت مرحلة التحكم التام في المراجعة الدستورية لشكل و طبيعة النظام السياسي الوطني. كما أن المانع الحقيقي لِخُطَّة التمكين  يتجسد في حصيلة 7 سنوات من التدبير العشوائي لحزب العدالة و التنمية  الذي جعل الشعب المغربي يفقد الثقة في جدية و مصداقية برنامجهم التنموي. 
و على طول تجربتهم الممتدة إلى ولايتين حُكومِيَّتين، أتبث مرتزقة الإسلام السياسي  عدم نجاحهم في معالجة الإختلالات التنموية و الفوارق المجالية و الاجتماعية . ثم جاءت مناورتهم الجديدة بتحريف النقاش عن ربط مسؤوليتهم السياسية بواجب المحاسبة ، و تَمَّ اللجوء إلى  خطة قديمة – جديدة ترتكز بالأساس على تمويه العقل الشعبي و الإيحاء المتزايد على أن مقام المؤسسة الملكية داخل التعاقد الدستوري هو مكمن الخلل ، مع العمل على محاولة فرض واقع دستوري جديد ينسجم مع خطتهم الحقيقية للتمكين . 
كل هذا لن يَتمَّ إلاَّ بِمُحاصرة  المؤسسات الدستورية في زاوية التحييد : تحييد دور المؤسسة القضائية ، تحييد دور المؤسسات الأمنية و العسكرية قبل الوصول إلى التحييد التام لدور المؤسسة الملكية. 
إن فشل التظيمات السياسية المؤدلجة للإسلام  في ممارسة السلطة بنفس ديمقراطي حقيقي ، هو  نابع من حقيقة ملموسة تتلخص في عقيدتهم السياسية التابثة الساعية للتمكين التام  ، عقيدة سياسية نشأت و ترعرعت على تكفير الديمقراطية كمنظومة قِيَم أولاً ، ثم سارعت إلى  الإلتفاف على الشق الانتخابي للعملية الديمقراطية قصد تأمين وصولها إلى مقاليد الحكم قبل الإنقلاب من جديد على الإرادة الشعبية و نظامها السياسي الوطني ، وإعلان رغبتهم في الحكم المطلق طبقاً لأهداف و غايات عقيدتهم الدينية - السياسية.
إن خطة الجماعات المؤدلجة للدين تلبس لبوس التَّقِيَّة تحت قناع الإصلاح الدستوري و رفع شعار ملكية ديمقراطية قائمة على إمارة المؤمنين. و يكفينا الربط بين مداخلة المستشار البرلماني عبد العالي حامي الدين و بين تصريح سابق للوزير الحالي محمد الخلفي.
 حيث نجد أننا أمام مخطط واحد يتلخص فيما أوْضَحَهُ الناطق بإسم حكومة سعد الدين العثماني بإعادة توزيع "ديمقراطية " للسلط - على صعيد مركزي- ، ترتكز على جعل الاختصاصات التنفيذية من مسؤولية مجلس الحكومة وبالتالي تحويل كل المسؤوليات التنفيذية التي  لدى المجلس الوزاري إلى مجلس الحكومة  مما يقتضي إلغاء المجلس الوزاري، وهذا الأمر سيؤدي إلى أن تصبح السلطة التنفيذية مجسدة في مجلس الحكومة، وسيؤدي ذلك – وفق تصريح الوزير الخلفي -  إلى إنهاء كل إزدواجية على مستوى البرنامج، كما سيقضي على إزدواجية التعيين وسينهي إزدواجية الولاء السياسي على المستوى التنفيذي.
فقادة حزب العدالة و التنمية لا يطالبون بإعادة توزيع السلط  حبًّا في الديمقراطية ، إنَّهم يريدون فرض وصايتهم على تعيين المدير العام للأمن الوطني و مدير الدراسات و المستندات، و مدير مراقبة التراب الوطني و التحكم في ولائهم السياسي !!!.
فبعد فشلهم في أسلوب الإحتواء و أسلوب التعايش  و أسلوب التحييد، ها نحن نراهم يتجندون  لمرحلة  الأسلوب الأخير في المواجهة و هو أسلوب التَّفْتِيت  الذي يهدف إلى " فَرْمَلَة" فاعلية الدولة  الدستورية في كبح جماح خطة التمكين لحزب العدالة و التنمية من داخل المؤسسات.
و لأن مشروع الجماعات المؤدلجة للدِّين لا يستطيع تقديم  الجواب الكافي الشافي عن السؤال الشعبي حول البديل الإقتصادي . فإن هذه التنظيمات الحركية التي تستمر في الهروب إلى السماء ، ستستمر كذلك في العمل الضَّال قصد التمكين لمشروع الهيمنة ذي الهدف الواحد و الغاية الوحيدة . لاسيما و أن الاختلاف بينها ينحصر - فقط- في المقاربة و الأسلوب ! 
و ها نحن نرى كيف تَجَنَّد أتباع جماعة عبد السلام ياسين للتنفيس على فشل الذراع السياسي لجماعة التوحيد و الإصلاح في إحقاق المشروع التنموي المغربي ، و ذلك  من خلال إعلان  جماعة العدل و الإحسان عن "حرب الشوارع " ضد المؤسسة القضائية و استغلال ملف المحكوم عليهم ابتدائيا في ملف أحداث الحسيمة .
 فالتنسيق بين مرتزقة " الإسلام السياسي " يتم  بالتوازي على مستويين : 
زعزعة المؤسسات الدستورية الوطنية  و إستنزافها  من الداخل عبر حزب العدالة و التنمية الذي فشل في إيجاد السبيل التنموي المنشود  مما جعله في مواجهة غضب شعبي.
زعزعة المؤسسات الدستورية الوطنية من خارجها باستعمال ورقة الشارع عبر جماعة " العدل و الإحسان " التي لم نرَها قَطُّ تُحَرِّك مسيراتها للتنديد بالسياسيات اللاشعبية  لحزب العدالة والتنمية.
و لعل تفاصيل  مُهِمَّة العمل على خطة التمكين من حزب العدالة و التنمية إلى جماعة عبد السلام ياسين يمكن تلخيصها من خلال التأصيل النظري الذي صاغه أحد منظري الحركات المؤدلجة للإسلام بالمشرق كالتالي : 
" وهذه المهمة، مهمة إحداث إنقلاب إسلامي عام غير منحصرة في قطر دون قطر ، بل ما يريده الإسلام ويضعه نصب عينيه أن يحدث هذا الإنقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة، هذه هي غايته العليا ومقصده الأسمى الذي يطمح اليه ببصره .إلا أنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الاسلامي عن المشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها ".
عبد المجيد مومر الزيراوي 
رئيس تيار ولاد الشعب