رأي

المصطفى كنيت: أتهم الأعرج

المصطفى كنيت

يتصدر الوزير الأعرج المشهد الإعلامي، على نحو لم يفكر فيه من قبل، بسبب البؤس الذي مارسه منذ تعيينه في هذا المنصب، في إطار "كوطا" توزيع الحقائب بين الأحزاب السياسية.

لم يكن الأعرج يحلم بأن يتأبط حقيبة قطاعين: الثقافة والاتصال، بل إنه طمح  ذات يوم، بعد الغضبة الملكية على عدد من الوزراء، أن ينسل إلى قطاع التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ، لما قد يوفر له من "المناصب" الكافية لتوزيعها في دائرته الانتخابية، ويفر من قطاعين يعنيان بشؤون "قوم" ليس من السهل استغباؤهم، لكن السيد الأعرج فعل ذلك، وعليه أن يتحمّل مسؤولية أفعاله بنفس الشجاعة التي نتحمل بها اليوم واجب فضحه.

بيت القصيد أو النقطة التي أفاضت الكأس، في هذه الفضيحة هو المجلس الوطني للصحافة، إذ عجز الوزير عن إصدار مرسوم ينظم انتخاب هذا المجلس، أو هكذا سولت له نفسه، و ترك الحبل على الغارب، معتقدا أن الصحافيين مجرد حلقة ضعيفة يتوسلون الصدقات أمام أعتاب وزارته بعد أن سوقت له النقابة الوطنية للصحافة المغربية هذه الصورة، فرافق كل من يونس مجاهد وعبد الله  البقالي إلى مقر رئاسة الحكومة مستجديا صرف اعتمادات في إطار دعم اجتماعي يفتقد لأي أساس قانوني كما يعرف هو نفسه، غير أنهم عادوا جميعا على أعقابهم خائبين بعد أن أخبرهم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني أن هناك فئات اجتماعية أكثر هشاشة من الصحافيين، وسيكون من العبث والظلم أن يصرف اعتمادات مالية لفئة اجتماعية تشتغل في مقاولات خاصة على حساب شرائح اجتماعية أكثر عوزا.

كلام العثماني أحدث ثقبا في حائط النقابة التي كانت تراهن على هذا المال العام لملء جيوب حوارييها من الصحافيات والصحافيين.

 ومع أن البقالي ومجاهد كانا يعلمان أن لا دعم بعد رحيل الخلفي وبنكيران، فقد سخرا من يروج أن الزميلات والزملاء سيتوصلون بـ "الفلوس" مباشرة بعد انتخاب المجلس، وها هو الواقع يفضحهم...

وهكذا انطلت "الكذبة" على الكثيرين، و ما يشفع لعدد منهم ( منهن) أنهم كانوا يتحسسون جيوبهم في عز  رمضان ولا يجدون ما يسدون به مصاريف الشهر الكريم، و أنا أعرفهم، من دون أن تلتفت النقابة إلى وضعهم الاجتماعي الصعب، لأن ما يعينها هو أصواتهم أما أوضاعهم فقد سكتت عليها طيلة سنوات إلى أن ألف الجسم الصحفي الذل والهوان، وكما قال الشاعر الكبير المثنبي ( الذي ملأ الدنيا وشغل الناس): " ما لجرح بميت إيلام".

وتلك قصة أخرى سنعود إليها، لنعد إلى السيد الأعرج، الذي وجد نفسه أمام مأزق حقيقي يوم هدده ممثلو الجامعة الوطنية للإعلام، في قلب مكتبه بقلب الطاولة، وصرخوا في وجهه إلى أن ارتعدت فرائصه: الجامعة هي النقابة الأكثر تمثيلية، ولوحوا باللجوء إلى القضاء، فوسوس له الشيطان أن يدفع بنقابة البقالي ومجاهد إلى التحالف لتجاوز هذا المطب، فسارع "النقيبان ( مع كل التحفظات) إلى طرق باب الميلودي مخاريق، فكان الاتفاق، الذي أعلن عنه في بيان يومين قبل انتهاء آجل وضع الترشيح للمجلس الوطني للصحافة من دون المرور عبر الأجهزة التقريرية  لنقابة الصحافيين...

وقبل ذلك، كان السيد الأعرج قد تنازل عن مهامه الوزارية في إصدار مرسوم أو قرار ينظم هذه الانتخابات، وترك للجنة عينها بنفسه بقرار، صلاحية إصدار قرار يتعلق بهذا الاستحقاق، رغم أن اللجنة ليست سلطة إدارية، و مهمتها الإشراف على انتخاب المجلس الوطني للصحافة، و ليس تحديد كيفية انتخابه.

و قد وجد الأعرج نفسه في مأزق آخر عندما أعلن يونس مجاهد عن ترشيح نفسه في لائحة النقابة، رغم أنه لم يعد صحفيا مهنيا بحكم أنه تقاعد سنتين من قبل، لكن الوزارة استمرت في منحه بطاقة بهذه الصفة، في مخالفة صريحة لقانون الشغل، بينما  تمنح الذين في وضعه بطاقة صحفي شرفي، ورغم أنه عضو في لجنة الإشراف على انتخاب المجلس ومطلع على "أسرار" ( ها) هو ما يتنافى مع القانون والأخلاق.

هذه التفاصيل لا تهم، ذلك أن السيد الأعرج، الذي أغرق المكتب الوطني لحماية الملكية الفكرية بأبناء دائرته الانتخابية، ضاربا بعرض الحائط مبدأ المساواة بين المواطنين في الحصول على منصب شغل، سيواصل اللعب، بعد أن اعتقد جازما أن خطته تشق طريقها إلى النجاح، فصدرت عنه ضحكة مدوية يوم وضعت  لائحتا "التغيير" و "الوفاء والمسؤولية"، بمكتب ضبط قطاع الاتصال رسالة سحب الترشيح و إعلان مقاطعة انتخاب المجلس،  وقال للمحيطين به هؤلاء يجهلون القانونّ.

لكن التطورات التي حدثت فيما بعد ستكشف أن السيد الوزير الذي يبحث عن المناصب للمقربين منه، و يُفشل عن قصد مهام لجان انتقاء مرشحين لمنصب مدير في المكتبة الوطنية و مدير المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما، من أجل الاستفراد بقرار التعيين لنفسه، ( ستكشف أن السيد الوزير ) يجهل القطاع برمته، وسيجد نفسه في قلب فضيحة هذه "السيناريو" الذي أساء إخراجه،  تماما كفضيحة تعيين مندوبة جهوية للاتصال بجهة فاس ـ مكناس لم تتدرج في الإدارة ولو لمدة 6 أشهر، لكن الرغبة في الحفاظ على رصيده الانتخابي أرضخته  لرغبات "قائد" حملته الانتخابية ...

هذا هو الوزير الأعرج، الذي موّل مهرجانا لزميلته في الحكومة فاطنة الكيحل بعرباوة، و ملأ ديوانه بالمستشارين الأشباح من أبناء النواب البرلمانيين، وتخلص بسرعة من الكاتب العام للوزارة بعد أن كلفه بمهمة تمثيله في لجنة الإشراف على انتخاب المجلس الوطني للصحافة، وأعاره لعزيز رباح الذي يجيد فن حسن التخلص وسيعيده قريبا إلى إدارة الجمارك.

من مؤسف أن يتقلص دور وزير إلى هذا الحد، و أن يُقحم نفسه في كل هذه الأشياء الصغيرة من دون أدنى اعتبار للواجب والأخلاق والمسؤولية.