رأي

النقابة الوطنية للصحافة بين غرفة الإنعاش ومشرط الجراح

بقلم هشام التواتي

"أكتبا لنراكما".

فليعذرنا الفيلسوف اليوناني سقراط لتصرفنا في جملته الشهيرة : "تكلم لأراك". فقد اختلط الحابل بالنابل، وأصاب حول مفاجئ، "الله يشافي ويعافي" عيني قيادة النقابة الوطنية للصحافة، فانحرفت بالمقود عن جادة الطريق، وخرجت عن المسار الصحيح، وزاغت عن الأهداف النبيلة التي سطرتها ذات يوم هياكلها التنظيمية.

رئيس النقابة وأمينها العام لبسا زيا حربيا مقلد الصنع، وتسلحا بمدافع رشاشة بلاستيكية، وتمنطقا بأحزمة ناسفة كارتونية، وحملا بوقا رديء الجودة في اليسار، وعلقا خاتم النقابة فوق صدريهما، وخرجا يهددان الجميع باسم النقابة الوطنية للصحافة...هههه.

حالة التخبط والدهشة والصدمة النفسية القوية من جراء الإرتدادات العكسية لمهزلة نتائج الإنتخابات العرجاء للمجلس الوطني للصحافة، التي عصفت بحلم الإنتهازيين وسارقي أحذية المجاهدين في اختلاس مناصب تمثيلية أكبر من مقاسهما، أصابتهما أولا بإمساك شديد أخرسهما عن التعبير، فلجأ صاحبانا إلى تناول الفياغرا لإتباث فحولتهما وإبراز أنيابهما أمام من ينازعهما القرار على مستوى النقابة الوطنية داخليا و خارجيا.

فبلاغات الثنائي باسم الأغلبية فاقدة للشرعية، لأننا طالين على الطنجرة وما فيها. والتهجم على الشرفاء من فاضحي الكولسة لن يثني عزيمتهم عن تحرير النقابة الوطنية من براثن الفساد والتسلط.

وهكذا انتقلا من حالة الإمساك الشديد والخرس، إلى حالة الإسهال المزمن، فبدءا بتفريخ البلاغات الرديئة على جميع المستويات.

حاول الثنائي الحربي تهريب النقاش من القضايا المهمة، التي ينبغي التطرق إليها ومعالجة إشكالياتها الحقيقية - الديمقراطية الداخلية والمشروعية - وصرف الأنظار عنها عبر فتح جبهات خارجية بغية التنفيس عنهما داخليا. فخطاب المظلومية لن يجدي نفعا. ومحاولة الزج مثلا بمدير وكالة المغرب العربي للأنباء في هاته الحرب الدونكيشوتية أصبح مكشوفا للجميع. والعزف على وتر الوحدة الترابية تارة وتوظيف قضية الصحفي المعتقل المهداوي تارة أخرى يبرزان حجم التخبط والمحاولة المستميتة للثنائي الحربي الركوب على أية موجة من شأنها صرف الأنظار عن البؤس التنظيمي الذي طبع مسيرتهما وعن حجم الإختلالات المالية التي أتت على ملايين الدعم التي كانا يتصرفان فيها والتي كانت تقتطع من المال العام.

هذا ليس شأنا داخليا. فين ما كان المال العام من حق أي مواطن التساؤل والإستفسار. فلوس الدعم فين مشات ولمن تعطات وفين تصرفات وعلاش هذا خذا وهذاك ماخداش؟

لقد آن أوان ربط المسؤولية بالمحاسبة. ويحق لكل من قل شأنه أن يساءل ذاك الذي علا شأنه عن حقيقة الشعارات البراقة التي يتم الترويج لها من ديمقراطية وتشاركية والقيمة المضافة التي غنمها الصحفيون والإعلاميون والمنتسبون طيلة فترة ولاية الثنائي الشهير.

فالركود القاتل للنقابة الوطنية للصحافة وجمودها وفساد الفاعلين فيها وتواطؤهم ومشاركتهم في بلورة مدونة للصحافة وسهرهم على وضع شروط تعجيزية أمام المرشحين للمجلس الوطني للصحافة تثبث بما لايدع مجالا للشك أن المصلحة الشخصية لزيد وعمر فوق كل اعتبار وبأن المصلحة العامة للصحفيين والمنتسبين للمشهد الصحفي والاعلامي المغربي ماهي إلا شعارات براقة سقطت في أول اختبار للمهنية والنزاهة والمسؤولية.

فأهم حقيقة تمخضت عن انتخابات المجلس الوطني للصحافة هو كون الشريحة الكبيرة من الصحفيين يوجدون خارج حسابات القيادة المهترئة للنقابة الوطنية للصحافة.

فالأغلبية وبالأرقام قاطعت مهزلة انتخابات المجلس الوطني للصحافة التي أكدت أن هناك أصواتا حرة نافست لائحة مفصلة على المقاس، لتنطلق حركة تغيير وإصلاح واسعة تشمل البيت الداخلي للنقابة الوطنية للصحافة وتتعداه إلى طرح السؤال حول ضرورة الدعوة إلى لم شمل جميع الصحفيين والإعلاميين والمنتسبين لمختلف التنظيمات من أجل إعادة صياغة مشروع حقيقي للنهوض بالقطاع الصحفي والإعلامي بالمغرب خارج أي جلباب ضيق وبعيدا عن أي تخندق وكولسة مع ضرورة محاسبة المسؤولين والمتسببين في فرز هذا الوضع البئيس للمشهد الصحفي والإعلامي الذي يفتقر إلى آليات حقيقية للمساءلة والمحاسبة.