رأي

عبد الغني القاسمي: لويس بلاناس . . السفير الذي أحب المغرب

كانت اسبانيا و لا تزال تحسن اختيار سفرائها لدى الرباط من ذوي الكفاءة و الخبرة في الميدان الدبلوماسي الى جانب من لهم القدرة على ضمان استمرار مصالحها و الدفاع عنها مع الطرف المغربي و هذا أمر طبيعي ، و لوحظ أن أكثر هؤلاء السفراء يكونون عند حلولهم بالرباط على دراية تامة ببلادنا و عارفين بظروفها و أحوالها و حريصين على بذل قصارى جهودهم لتمتين العلاقات الثنائية في مختلف المجالات و الدفع بعجلة التعاون المشترك المطبوع بالتوازن و التوافق بين الطرفين ، و من باب اعطاء لكل ذي حق حقه أرى أن السيد لويس بلاناس يتصدر هؤلاء السفراء بما عرف عنه من حب للمغرب و و تفهم لقضاياه و تعاطف مع مواقفه وهو ما ساعده على النجاح في مهامه و تركه صدى واسعا من التقدير لشخصه لدى المسؤولين المغاربة و الأوساط السياسية و الاقتصادية و المجتمع المدني .

تعرفت على الرجل و ظللت على اتصال به طيلة عمله بالرباط فلمست فيه الخصال التي أشرت اليها ، و خاصة على مستوى دعم التعاون القائم بين المؤسستين التشريعيتين في البلدين و تفعيله على بساط الواقع بتبادل الزيارات و فتح قنوات الحوار و التشاور بين برلمانيي البلدين بصورة منتظمة ، حيث كان متحمسا لتشكيل مجموعة الصداقة و التعاون بين الكونغريس الاسباني و مجلس النواب المغربي من جهة و المجموعة المماثلة بين مجلس الشيوخ الاسباني و مجلس المستشارين المغربي من جهة ثانية ، و هذا ماكان يحتم التنسيق بين فعاليات البرلمان المغربي بمجلسيه و السفير لويس بلاناس الذي كنا نجد فيه حسن الاستعداد و تذليل العقبات و الصدر الرحب ، و بمبادرة منه تبادل رؤساء الغرف الأربعة و أعضاء المجموعتين عددا من الزيارات المثمرة التي انعكست ايجابا على مسار العلاقات بين البلدين.

 و قد تأكدت من صدق تعاطف السفير بلاناس عندما أكد لي أكثر من مرة رأيه الشخصي في ملف الوحدة الترابية الوطنية بأنه نتاج لخلاف مفتعل من قبل الجزائر للتضييق على المغرب و أنه يساند حق المغرب الثابت في الدفاع عن سيادته و وحدة ترابه ، و فيما يخص ملف الصيد البحري قال لي مرة : أنا ابن مدينة بالينسيا و لي أقارب عديدون في اشبيلية و كاديس و بويرطو دي سانطا ماريا ، و أعرف أن رغبة صيادي تلك المدن الأندلسية الساحلية جامحة في ممارسة الصيد بالسواحل المغربية منذ قرون من طنجة الى الكويرة ، و أعرف هذا الملف بتفاصيله و جزئياته من خلال المسؤوليات التي تحملتها في دواليب الاتحاد الأوروبي ببروكسيل و الحكومة المستقلة بمنطقة الأندلس ، و أرى أن أي اتفاق بين الاتحاد الأوروبي و المغرب يجب أن يراعي حقوق المغرب في الاستفادة من الاتفاق و اعتبار اسبانيا المستفيد الأوروبي الرئيسي من مقتضياته .

و لكل ذلك ، فعندما تناهى الى علمي نبأ تعيين السيد لويس بلاناس وزيرا للصيد البحري و الفلاحة و التغذية في الحكومة الاسبانية الحالية التي يوجد على رأسها السيد بيدرو سانتيش الذي هو صديق حميم لبلاناس و منسجم معه الى أقصى حد حتى قبل تشكيل الحكومة ، بدا لي جليا أن الأمور ستسير في صالح بلادي ، و أن المدافع عن مصالحها خلال التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول تجديد اتفاق الصيد بما يرضي المغرب سيكون هو السفير السابق بالمغرب و الوزير الحالي للصيد البحري الذي هو السيد لويس بلاناس ، و أن تهنئتي له بمناسبة تقلده لمهامه الحكومية في اسبانيا كانت في محلها ، خصوصا أنه أجابني بتحية رقيقة لها مدلول عميق مضمونها : انني سأظل على العهد كما كنت دائما ، و قد فهمت قصده على الفور .