قضايا

بين الديني والسياسي

ابراهيم أقنسوس

بين الديني والسياسي، أو بين الحركة والحزب، جيئة وذهابا، هذا هو العنوان الذي يلخص، في نظري، ويركز مجموع النقاشات والردود التي صاحبت انعقاد المؤتمر الوطني لحركة التوحيد والإصلاح، في ارتباط قريب أو بعيد بما عبرت عنه أشغال الملتقى الوطني لشبيبة العدالة والتنمية من مواقف وتداعيات.

هل ينفك الديني عن السياسي وهل يمكن ذلك وبأي معنى؟ هذا هو السؤال الذي طرح ويطرح بصدد ممارسة السياسة من طرف من نشؤوا وتكونوا في أحضان الحركات الإسلامية، أو ممن امتلكوا عبر مسارهم الثقافي الخاص اقتناعات مفادها أن الإسلام بمقاصده وفلسفته يشكل رؤية متماسكة من شأنها المساهمة في تقديم أجوبة ناجعة لمجموع الإشكالات المطروحة، حالا واستقبالا.

كيف إذن يمكن الحديث عن فصل الديني عن السياسي بشكل ميكانيني كما يدعو البعض في وقت تعتبر فيه الإقتناعات الإسلامية بمثابة رؤية ناجعة بالنسبة لمجموعة من المواطنين؟ ألا يعتبر قولنا بفصل الدين عن السياسة، على مستوى التحليل والقراءة، مصادرة لا ديمقراطية لجزء معتبر من المجتمع؟ لماذا لا نعتبر ما نسميه في أدبياتنا بالإسلام السياسي تنويعا على ما تراكم لدينا من آراء واقتناعات شكلناها جميعا عبر مسارات مختلفة؟ لماذا يميل الكثير منا إلى إبعاد المخالف والعمل على تقويضه، بدل الانكباب جميعا والتعاون سويا على صياغة مشاريع ثقافية واجتماعية، قوية وناجعة، تستجيب لكل طموحاتنا، أو جلها، مع كل هذا الاختلاف الذي يضايق بعضنا؟

مؤسف جدا ما عبر عنه البعض من رغبة سلبية في تبخيس منظورات حركة التوحيد والإصلاح، ومعها حزب العدالة والتنمية، باستعمال كلمات لا تمت إلى النقد العلمي ولا إلى التحليل الموضوعي بصلة، الانشقاق، التصدع، العزلة، النهاية، وما إلى ذلك من لغة التشفي والكراهية وتمني الزوال.

إن ما يمكن نعته بالحساسية الإسلامية، ممثلا في حركات وجمعيات، واقع لا يرتفع، قبلنا بذلك أو رفضناه، والحل هو الحوار الجاد، وهو الديمقراطية. بالحوار نستخلص المفيد من هذه المشاريع، وبالديمقراطية يتقرر قبولها أو رفضها، هكذا نتجاوز لغة المزايدات، فنربح الوقت، وقد نربح فكرة جديدة، ألسنا نفخر بكوننا بلد التعدد؟ ماذا يعني التعدد إذن؟

إن العلاقة بين الديني والسياسي نقاش نظري تاريخي قديم ملازم للإنسان منذ عرف الأديان، وليس شأنا خاصا بنا كما يذهب البعض، ولا يمكن بأي حال إجراء حسم ميكانيكي في الموضوع؛ فالأفكار والاقتناعات لا تحتمل هذا النوع من القطع الآلي، والإشكال في عمقه ليس في العلاقة بين الديني والسياسي، بل في نوع هذه العلاقة، وفي مخرجاتها، وفي مدى نجاعتها لقضايا البلد، وإلا فما معنى وجود سياسي بلا رؤية ولا اقتناعات فكرية مهما اختلفنا معها؟

إنها في النهاية اقتناعات أصحابها وخلفياتهم النظرية، (لبرالية، اشتراكية، علمانية، إسلامية، لا دينية...)، مع كل ما تحمله هذه الاختيارات من تفاوتات وتلوينات. علينا أن نكون في مستوى شعاراتنا التي نرفعها، وإلا فهو الاستبداد في صورة الديمقراطية، يعود إلينا هذه المرة عبر بوابة النخب، أو من يفترض أنهم يمثلون النخب، في وقت نعتقد فيه أننا نطارده في أماكن أخرى.

هذا هو الأساس في اعتقادي، أما ما تم تداوله في مؤتمر الحركة، من وجهات نظر حول هذه العلاقة (الديني/السياسي)، وطرق تدبيرها، فالأمر هاهنا يتعلق بمسار الجميع مدعو للمساهمة فيه بنفس إيجابي، وبما يضمن لبلدنا علاقة صحية وعميقة وناجعة بين الدين والسياسة، على كافة الأصعدة وكل المؤسسات.