رأي

عبد المجيد مومر الزيراوي: ما بعد خطاب 20 غشت.. ثورة الملك والشباب !

" وها نحن اليوم ندخل في ثورة جديدة لرفع تحديات استكمال بناء المغرب الحديث، وإعطاء المغاربة المكانة التي يستحقونها، وخاصة الشباب، الذي نعتبره دائما الثروة الحقيقية للبلاد ".

إن مضمون هذه الفقرة الواردة ضمن الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 65 لثورة الملك و الشعب  يستدعي شحذ هِمَم الشباب قصد الانخراط الشجاع و المثمر في تغيير وضع لم يعد مقبولا استمراره ، و يستلزم العمل الجماعي الفعال لإحقاق الصعود الإقتصادي المنشود، وربح معركة الوحدة الترابية وكسب رهان التنمية المتوازنة، وترسيخ الديمقراطية التشاركية في إنجاز المشروع الملكي التنموي .

ومنه ؛  فلن نستطيع خلخة المعيقات الذهنية و الموانع الداخلية و الخارجية التي حَذَّرَ منها جلالة الملك محمد السادس إلا بالتمسك بمجموع الخطابات و الرسائل الملكية وبصريح مضمونها و الثقة المستمرة في الأفكار و الحلول الملكية الذكية الساعية إلى تدشين مرحلة مشرقة من الإنماء و البناء المتواصلين لمغرب الحاضر و المستقبل.

و قد تبدو الموانع المادية كإكراهات ذات أولوية ، إلا أن معظم الشباب يجدون أنفسهم أمام عقليات تتبث أن الموانع التي تبنيها المؤثرات الزمنية النفسية والسيكولوجية تصبح في حالات كثيرة صعبة التجاوز ، فالتأويل السياسي الخرافي المنبعث من عقليات متحجرة يقود الشباب بشكل مباشر إلى جمود العقل ، فهو تأويل غير قائم على المعرفة و المواكبة و المسايرة ، تأويل لم يأخذ بالأسباب و لم يستجلب الشباب المغربي بالترغيب في المواطنة الدستورية  .

وذاك ما جعل الشباب يعتنق - في غالبيته - مذهب  " اللامبالاة السياسية " ويعاني من حرِّ الغياب أو التَّغْيِيب عن ذوق الثقافة . إنها الكتلة الناشئة لزمن " بعد ما بعد الحداثة " ؛ شباب يعاصر فوضى وفرة المعلومة و ينخرط إراديا أو لا إراديا في ما اصطلح عليه ب « المواطن العالمي » ، و لو افتراضيا من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. هذا الشباب إرتفع حجم مطالبه في ظل وضع إجتماعي و إقتصادي جد قاسٍ ، و قبل هذا و ذاك هو شباب منفتح في السلوك و المعاملة.

إنه بالمحصلة نتاجٌ إنساني وجب أن يستقيم سلوكه بالتشبع العقلاني بسمو الاعتدال و نبذ العنف و مواجهة الإقصاء و التمييز بما تضمنه أحكام الدستور ، مع رفض الغلو و التكفير و التشبت بالأمل و الثقة في إحقاق العدالة الاجتماعية و المجالية و الإنتصار لمبدأ المواطنة الدستورية.

هذا الإنخراط الشبابي وجب أن ينطلق من عقلانية الاختيار ، و الإعتماد على عملية المعرفة و الاجتهاد ، مع الإلتزام المسؤول و المكاشفة و العمل الوطني التشاركي . إذ لابد من القطع مع مظاهر التسيب والسلبية والتزمت والانغلاق و العدمية و الاسترزاق،  من خلال الاستمساك بالقيم الإنسانية النبيلة التي يحملها المشروع الملكي التنموي الذي يسعى إلى تجاوز ما ترسب عند بعض العقليات من معيقات الإتكالية المقيتة والفردانية الأنانية . و حتى يضمن كذلك إنصهار الطاقات الشبابية في ضمير جمعي واحد قصد استكمال بناء دولة المواطنة و إحقاق مبدأ المواطنة الدستورية.

فَذَاكَ ما سيجعل من الشباب المغربي جيل الأمل و الثقة في المستقبل ، جيل الإرتقاء نحو حياة أفضل ، جيل تواق للحرية و المسؤولية و المحاسبة مسعاه تحويل الإحباط و الفشل و الألم إلى دافعة نفسية إيجابية نحو سبيل الابداع الإنساني المتنور.

وهكذا أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس ضمن خطابه السامي على أن قضايا الشباب لا تقتصر فقط على التكوين والتشغيل، وإنما تشمل أيضا الانفتاح الفكري والارتقاء الذهني والصحي. بهذا الوضوح التعبيري البليغ يؤسس الخطاب الملكي السامي إلى إنطلاق ثورة الديمقراطية التشاركية من الفكر و الثقافة أولا ، و هنا لابد للشباب من الوعي  بحقيقة أن توطيد لبنات الديمقراطية التشاركية المفيدة و تعميم مكاسب فلسفتها العتيدة يعتمد -وجوبًا- على الحفاظ على قوة الدولة و هيبتها لأنها أعمق آلياتها الاستراتيجية .

ويمكن الجزم بأن الوضع الراهن بجميع تمظهراته و جميع أفراحه و خيباته ، يدفع كل عاقل لبيب نحو صدق المكاشفة و وضوح التحليل ، لأن إنجاز المشروع الملكي التنموي  يجد ركيزته الأساسية في صناعة الإستثناء الثقافي عبر جعل الشباب المغربي المحرك الأساسي للإنماء الفعال ؛ و من خلال المضي قدما بكل أمل و ثقة في كسب معركة التحديث و الحداثة البناءة ، معركة العصرنة و المعاصرة ، معركة الحاضر من أجل المستقبل ، معركة تغيير العقليات.

إن الشعوب تبلغ مقام التحضر و تصنع حضارتها المتميزة بحفظ نظامها و المعرفة و التعلم و العمل ، و ليس بالفوضى و التسيب و التواكل . فلم و لن نعلم عن صعود تجارب دول بلغت مراميها في التقدم دون نجاح المنظومة التعليمية في ضمان العقل السليم ، و دون تمكن المخطط الصحي من ضمان الجسم السليم . و من شروط تحقيق التنمية ارتفاع مردودية التعليم و الصحة بشكل يزيد من إمكانية ارتقاء الشباب المغربي ، و بين هاتين العجلتين يستمر حصان الإقتصاد مٌطَالَبًا بالزيادة في قوة جرِّه للعرَبة قصد بلوغ الأهداف المأمولة من المشروع الملكي التنموي و التصدي للإشكالية المزمنة عند الشباب المغربي عبر الملاءمة بين التكوين والتشغيل قصد التخفيف من البطالة .

هي ثلاث مؤشرات علمية استحضرناها من الخطاب الملكي السامي بكل تلخيص ، ثلاث مؤشرات تساعد من يبحثون في الأمر على إستيعاب و فهم مسار التنمية الشاملة التي يريد من خلالها صاحب الجلالة الملك محمد السادس تمكين الشباب المغربي من الكرامة و الحرية المسؤولة و العدالة الاجتماعية و المجالية.

من كل ما سبق نسترسل في التأكيد على أن صناعة الاستثناء الثقافي ( أو الثورة الجديدة : تغيير العقليات ) يشكل المدخل الأساس لتتبيث التحول الديمقراطي المنطلق منذ المصادقة الشعبية على التعاقد الدستوري ، هذا العقد الإجتماعي الذي يرسخ رؤية مغرب منفتح و متعدد .

إنه دستور 2011 الذي يتمثل في هندسته مغرب المواطنة و تكريس المساواة بين جميع المواطنين بصرف النظر عن الانتماء اللغوي أو الفئوي أو المجالي أو الديني . مغرب نتساوى أمام سمو قانونه من حيث الحقوق والواجبات، فصناعة الاستثناء الثقافي وفق روح و نص الخطاب الملكي السامي تشكل المدخل العقلاني لإنجاح المشروع الملكي التنموي بكل أمل و ثقة .