قضايا

التجنيد الإجباري فرصة للتربية الجنسية والتكوين الزوجي

الدكتور جواد مبروكي

لقد سبق لي أن تحدثت عن أسباب فشل الزواج وعن الحياة الجنسية غير الراضية وعن أسباب التحرش الجنسي والاغتصاب والعنف القائم ضد الإناث في المجتمع المغربي، واقترحت أن تدمج في المقررات المدرسية التربية الجنسية والتربية الروحية المواطنيّة ابتداءً من التعليم الابتدائي، وأن تدمج كذلك في كل الجامعات والمدارس العليا مادة تربوية حول مؤسسة الزواج.

وبمناسبة إعادة نظام التجنيد الإجباري أرى أن هناك فرصة ثمينة لإدماج هذه المواد الثلاث على مدى 17 شهراً لفائدة المجندين والمجندات.

لماذا يجب إدماج هذه المواد خلال فترة التكوين العسكري الإجباري؟

1- التربية الجنسية

أسئلة بسيطة يطرحها كل فرد على نفسه: "بأية طرق علمية تمَّ تكويني حول حياتي الجنسية؟"، "من هو الشخص الذي كَوَّنني حول حياتي الجنسية؟"، "هل أنا راض وسعيد بحياتي الجنسية؟"، "هل أنا مرتاح داخليا مع رغباتي الجنسية؟". بطبيعة الحال الأجوبة واضحة، لقد تم التكوين بالتقليد فقط مما سُمع من مجموعة الأصدقاء ومن ثقافة الأفلام السينمائية...!.

الجنس مهم جدا، ولولاه لاندثرت البشرية تماما. وللجنس السليم دور هام في توازن الفرد وسعادته وراحته وهدوئه الداخلي وتحريره من غرائزه الحيوانية ليصبح فردا مستعدا ومتفرغا للقيام بواجباته الاجتماعية والإنسانية والوطنية. كما أن سوء الحياة الجنسية يجعل من الفرد مضطرب المزاج والسلوك وفي حالة قلق مزمن ودائم النزاع في علاقته الاجتماعية، مع غياب استعداده للقيام بواجباته الاجتماعية والمهنية والوطنية. من خلال تجربتي المهنية أرى عدداً كبيرا من حالات الاكتئاب بسبب حياة جنسية غير متزنة ومتناغمة، إذ يجد المريض نفسه في مأزق ويرى الحل في الطلاق مثلا لأنه يرى في رفيقة حياته سبب معاناته.

إن الجنس السليم بإمكانه أن يساهم في تناغم العلاقة بين الرجل والمرأة وتطوير علاقتهما العاطفية والودية ومساعدتهما على نجاح مؤسستهما الزوجية وتطوير قدراتهما الأبوية في تربية أطفالهما. كما أن الجنس بإمكانه أن يكون سبب النزاعات وسوء التفاهم وإساءة تربية الأطفال وحتى في ارتفاع حالات الطلاق.

فلماذا لا ندخل مادة التربية الجنسية في تأهيل هؤلاء الشباب خلال هذه الفترة التكوينية العسكرية الإجبارية؟.

2- التربية الروحانية المواطنيّة

لا أقصد هنا التربية الدينية، لأنها مسألة فردية ولا يمكن لأحد التدخل فيها، وخصوصا أنه ستكون بين هؤلاء الشباب المغاربة تنوعات عقائدية كثيرة، فمنهم ملحدون ولا دينيون ويهود ومسلمون وبهائيون وشيعيون وأحمديون مثلا. إن مشروع التربية الروحانية المواطنيّة هو تدريس برنامج مكثف على التشبع بمفاهيم القيم الإنسانية العالمية التي تخدم المجتمع والوطن وبدون انتظار أي مقابل.

إن التربية الروحانية المواطنيّة تهدف إلى تنمية القدرات على خدمة المجتمع لتحقيق راحته ورفاهيته. ومن خلال العمل على تحقيق راحة المجتمع يحقق المواطن راحته الشخصية. وبعبارة أخرى فإن التربية الروحانية المواطنيّة تُنمي الحس بالانتماء إلى المجتمع مثل كل عضو من أعضاء الجسم الواحد؛ فأنت مثلاً عندما تعالج أصبعك أو تأكل لصحة جسمك هل تنتظر تعويضا ماديا أم أن هدفك هو راحتك البدنية؟ من البديهي أن كل عضو من جسدك يخدم كل الأعضاء الباقية دون مقابل وهدفه هو الحصول على التناغم والتوازن والمشاركة في تحقيق راحة الجسد.

3- مؤسسة الزواج

لما علمت بأنباء إعادة التجنيد الإجباري رأيت أن جل الشباب المغربي من الشريحة العمرية ما بين 19 و25 سنة، وبشكل ديمقراطي، سوف يمرون بتجربة التكوين العسكري، وتصورت لو كان بإمكانهم أن يدرسوا مادة مؤسسة الزواج وطرق الاستعداد لولوج هذه المؤسسة المقدسة..سيكون التكوين مشروعا عظيما.

مع الأسف لما أرى في مجتمعنا كيف تبدأ مشاريع الزواج وكيف تنتهي أدرك مدى الإجرام الذي تتعرض له هذه المؤسسة الاجتماعية، والذي يهدم أساس المجتمع.

فكيف لنا أن نحقق الأهداف المنتظرة من التجنيد الإجباري إذا استمر الفشل في مؤسسة الزواج وفي تحقيق السعادة والمساواة بين الرجل والمرأة وفي تربية الأطفال، جيل المستقبل؟ وبدون أي تردد، تحقيق الأهداف النبيلة للمجتمع يتوقف قطعيا على نجاح مؤسسة الزواج، ولنجاح هذه الأخيرة لا بد من التربية الجنسية والتربية الروحانية المواطنيّة.

*خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي