كأسك يا وطن ...إبراهيم إغلان: في باب الرحلة المسرحية إلى الإمارات العربية...

أن يختار مواطن مغربي، كيف ما كان، الهجرة إلى الخارج، بحثا عن المال أو الخبرة أو التكوين..الخ، فهذا شأنه، ولا أحد يمكنه المساس بهذا الاختيار الذي يدخل في إطار الحرية الشخصية والديموقراطية . لكن أن يتم تهجير 50 مواطنا مغربيا، من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، برضاهم طبعا و باختيارهم، دفعة واحدة الى دولة الإمارات العربية المتحدة، فهذا أمر لا يمكن تجاوزه هكذا... بدون أسئلة وتأملات في ما وصل إليه قطاع الثقافة في بلادنا.

ويبدو أن الحاجة إلى العمل، تجعل صاحبه يقبل بالشروط التي يمليها المشغل (بضم الميم)، وحسب علمي، فقد تم التعامل مع  خريجي المعهد المذكور كأنهم يدا عاملة، بينما هؤلاء من الشباب الذين تم تكوينهم في شتى المجالات الإبداعية والفنية، والذين بإمكانهم المساهمة في تطوير العمل المسرحي والثقافي في بلادنا. والمفارقة الغريبة، هي أن تتم المقابلات بين الطرفين في المعهد نفسه، وبرعاية إدارية من هذه المؤسسة الوطنية، وبتوجيه من بعض أطر القطاع الوصي....وهذا لعمري يثير سؤالا كبيرا حول مسؤولية الحكومة المغربية، ممثلة في قطاع الثقافة، وبخاصة أولئك الذين يعملون في القطاع ذاته، والذين تسيل لعابهم كلما كان الأمر متعلقا بالإمارات العربية المتحدة.

غريب هذا الذي يحدث في بلادنا، تصرف الدولة على مواطنيها للتكوين في معاهد عليا ومؤسسات جامعية، وبعد تخرج هؤلاء، يرحل أحسنهم عن الوطن. أليست قمة العبث: أن يتم تكوين طلبة في مجال الفنون الدرامية والتنشيط الثقافي في مؤسسة أكاديمية عليا، وبعد التخرج، نأتي بهم الى حيث قضوا سنوات من التحصيل العلمي والفني، لتوقيع عقد عمل في دولة أخرى...

لو افترضنا جدلا، أن ما قام به هؤلاء، هو عين العقل، لكن لماذا لا تتدخل الدولة لتقنين هذه الهجرة الجماعية المخيفة؟ أين وزارة الثقافة من هذا الذي حدث ويحدث؟؟ ولماذا لا يتم  ذلك في إطار اتفاقية إطار بين الدولتين، على الأقل لصون وحماية حقوق هؤلاء المهاجرين؟؟

 

إنها مسؤولية الدولة، فالواقع اليوم، وهذه النازلة بالذات، تعكس بصورة جلية، مظهرا من مظاهر سوء التدبير والتسيير،  اليوم سيهاجر 50 خريجا للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وأمس هاجر العديد من خريجي المدرسة المحمدية للمهندسين، وقبل ذلك المئات من الشباب المتخرج من معاهد عليا، بحثا عن أفق آخر، وعن فضاء آخر، تحترم فيه الحريات، وتتكافأ فيه الفرص، وتوفر الشروط الملائمة للبحث العلمي وتطوير القدرات الإبداعية والعلمية...

هؤلاء عقول الوطن، أما الذين يهاجرون بلا أفق، وما أكثرهم، وبخاصة القاصرين الذين امتلأت بهم مراكز الإيواء الاسبانية، أو لفظهم البحر جثثا... فتلك أكبر مذلة لهذا الوطن....

هي رحلة مسرحية، ممتدة في هذا الوطن، طولا وعرضا، أبطالها أولئك الذين يتقنون فن اصطياد الغنائم والفرص، حتى لو اقتضى الحال تدمير القيم والأخلاق والحقوق والواجبات...لقد نجحوا في ذلك، ولا يزالون....

 وكأسك يا وطن.....