رأي

عبد العزيز المنيعي: موسم خلع السراويل..

لا زالات مهازل المقررات الدراسية تثير الكثير من القيل و القال، والكثير من النقاش والسجال، والكثير الكثير من النقد. بالامس فقط نشرنا خبرا عن تدمر وإستياء اولياء أباء من مقرر اللغة الفرنسية خاص بالسنة الثانية إعدادي بإحدى المدارس الخصوصية التابعة للمديرية الإقليمية للتربية الوطنية بالبرنوصي في الدار البيضاء، يتضمن عددا من الصور المخلة بالحياء والنصوص الشعرية ذات الحمولة الجنسية. وقبله كتاب لتلاميذ الإبتدائي لم يجد حلا للحر سوى أن تخلع طفلة سروالها من اجل لعب الحجلة. وقبلهما معا وفي سياق أخر، خرج مجلس مدينة الدار البيضاء "بالطنز" الاكبر وذلك بإعلانه قرب إنشاء مراحيض ذكية بقيمة 60 مليون للمرحاض الواحد.

لذلك ولسبب أو أخر علينا جميعا أن نخلع سراويلنا، إما لشعورنا بالحر المادي والعمنوي، أو استعدادا للذكاء المرحاضي القادم للمواطن في مدينة الدار البيضاء. وعلى أقل تقدير على الرجال منا أن يلبسوا ما خف من الدراعيات والنساء لهن الجلابيب. حتى لا يكون هناك أي عائق يمنع سرعة التعرية، فالحر والسروال لا يلتقيان قالها فقهاء المقرر الدراسي، ولا يمكن أن نفهم أحسن منهم فهم من اوكلت لهم مهمة الإشراف على كتب ستعلم نساء ورجال الغد السلوك القويم، وخلع السروال من بين الأولويات الأساسية التي عليها ينبني نجاح جيل الغد. بعض فقهاء المقررات الدراسية الذين أذن فيهم العبث فقاموا بالتخشع في محراب "البسالة وقلة العقل"، حولوا كتبا قيمة إلى مطبخ مفتوح وشارع مزدحم يقال فيه ما لا يقال في المقاهي.

لا يمكننا أن نظن السوء بهؤلاء، أبدا وحاشا، فهم أعقل من أن يبنوا صرحهم فوق أرض واهية، بل هم يستندون على أسس متينة يرفعون عليها صرح تفاهاتهم هم يعلمون أن "تريكتهم" لن تدرس في تلك المقررات، لن تتعلم خلع السروال بسبب الحر، ولن تقرأ قصيدة شعرية عن الجنس أو نص نثري عن "البريوات والمسمن وبغرير". هم يعرفون جيدا أن "تريكتهم تقرأ كتبا قيمة بحق وليس كتبا عبثية.

أشفق اليوم أكثر على الراحل الأستاذ بوكماخ، الذي يتقلب في قبره الآن ذات اليمن وذات الشمال وينظر إلى إقرأ ويتذكر أنه نسي أن يجعلها محصنة ضد النسيان وضد التناسي. لكنه يعرف بدوره أنه ما كانت الكتب المدرسية لتصل إلى هذا الحضيض لولا حض البعض على مثل هذه التفاهات التعليمية التي تزيد من تعميق الهوة..

ماذا بقي لنا إذا... بعد 60 مليون من اجل مراحيض ذكية في طريقها إلى مواطن يقطن في سكن إقتصادي يساوي 20 مليون، هل نطلب من هذا المواطن ان يغادر المرحاض الذكي الذي يضاعف ثمن مسكنه إن كان لديه مسكن طبعا، ام نتركه يرتاح في رحاب مرحاض توفرت له كل شروط الرفاهية..

ماذا بقي لنا إذا... بعد أن إكتسحت العجينة مدارسنا وفاضت على جنبات الطاولات وقطرت الزيت التي دهن بها البغرير حتى بات التحرك في الفصل الدراسي محفوفا بالحوادث المطبخية..

ماذا بقي لنا إذا... بعد أن يخلع الجميع سراويلهم بسبب الحر وبعد أن تحول المقرر الدراسي إلى "سليب" يلبسه التلاميذ من أجل لعب "الحجلة"... أو قصيدة شعرية ساخنة ملتهبة..