تحليل

نحو بناء ميزانية شفافة ومفتوحة على المواطنين

محمد حركات

تتمثل الميزانية الشفافة والمفتوحة على المواطنين في مدى قدرة السلطات التشريعية وأجهزة الرقابة العليا على توفير المراقبة الفعالة للميزانية وفي إشراك المواطنين أساسا، في كل مراحل الإعداد والتنفيذ والمراقبة لارتقاء بالخدمات المقدمة إلى المواطن بصفته الممول الأساسي للميزانية، اعتبارا لتضحياته المالية الجسام التي يؤديها باستمرار إلى خزينة الدولة، في شكل ضرائب مباشرة وغير مباشرة. ومن ثمّ، يظل حقه في المراقبة الفعالة والدائمة للميزانية حقا من حقوق الإنسان المشروعة والثابتة، بغية التطلع إلى تحسين مستوى عيشه وتحقيق تطلعاته وضمان كرامته تم الارتقاء به إلى مصاف الشعوب المتقدمة. وعليه، أضحت الميزانية التشاركية والمفتوحة دعامة جوهرية لتملك الرهانات الديمقراطية والتقنية والتنموية والإنسانية والمالية للميزانية برمتها.

وتسعى التطبيقات الفضلى لمبادئ الميزانية المفتوحة على المواطنين والمجتمع المدني إلى تحقيق الأهداف الجوهرية الآتية :

- إدماج المواطن في العمل المالي والإداري وبرمجة التنمية، من خلال مشاركته الفعلية في صنع وبلورة السياسات العمومية وتنفيذها ومراقبتها وتقييم أثرها عليه،

- منافسة الخبرة المكتسبة بالتجربة عند المواطن للخبرة السياسية البرلمانية والبيروقراطية الإدارية بصفتها (الخبرة المكتسبة) أداة فعالة لاستثمار الإمكانات والخبرات المتعددة للمواطنين في خلق مواطنة فاعلة ودعامة أساسية في تقوية الحكامة الديمقراطية وتعبئة الإدارة وكل الفاعلين،

- تعميق تبادل المعلومات المتعلقة بالميزانية ومشاريع التنمية في أطار حوار أفقي بين المواطنين وعمودي بين المواطنين والإدارة والحكومة.

ومما لا شك فيه أن هذه التطبيقات الفضلى في التجارب الأجنبية والدولية تروم تحقيق عدة أدوار ووظائف بيداغوجية وتقنية وسياسية وديمقراطية تتمثل في الآتي:

- تنشيط الممارسة المواطنة في صياغة ومراقبة وتقييم آثار ووقع تدبير المال العام على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد،

- امتلاك القرار المالي من لدن المواطنين لتجاوز أزمة الثقة والغموض اتجاه مؤسسات الدولة،

- مصالحة المواطنين مع الحياة السياسية والتعايش الجماعي (أزمة الديمقراطية التمثيلية).

غير أنه يلاحظ على المستوى العملي، بناء على التصنيف الدولي لعام 2017 الذي قامت به المنظمة الدولية للشراكة حول الميزانية (التي تعمل على مسح التجارب في أكثر من 100 بلد حول العالم) IBP International Budget Partnership( مدى ضعف البرلمان المغربي في المراقبة الفعالة للميزانية وإخبار المواطنين الذين يمثلهم، سواء فيما يخص الإعداد أوالتخطيط أو تنفيذ الميزانية.

وحسب هذا التصنيف الدولي حول مؤشرات الميزانية المفتوحة، حصل المغرب في مجال الشفافية على نقطة 45 في المائة، وعلى درجة صفرية في مجال مشاركة الجمهور. أما الرقابة على الميزانية من طرف البرلمان فهي لا تتعدى 31 في المائة.

وتعد درجة المغرب المقدرة بنحو 38 درجة في المائة في مؤشر الميزانية المفتوحة في عام 2017 هي نفس الدرجة في 2012، على الرغم من كل ما قامت به الحكومة المغربية، منذ 2012 من مجهودات ملموسة، فيما يخص توفير معلومات حول الميزانية (تحسين شمولية الميزانية المقررة وميزانية المواطنين ). ومع ذلك، فشلت هذه الحكومة حسب التقارير الدولية في تحقيق التقدم المطلوب من خلال:

- عدم إخراج البيان التمهيدي للموازنة، والمراجعة نصف السنوية، وتقرير نهاية العام،

- نشر تقرير المراجعة الذي يحتوي على الحد الأدنى من المعلومات الخاصة بالميزانية فقط .

وعلى غرار ذلك، ترى المبادرة المفتوحةIBP أن فعالية رقابة المجلس الأعلى للحسابات ضعيفة بدورها، على الرغم من أن هذا الأخير يتوفر على سلطة تقديرية ضخمة لإجراء عمليات التدقيق، حسب ما يراه مناسبا؛ غير أن المنظمة تقر بأن الموارد التي هي رهن هذا الجهاز تعد غير كافية للوفاء بمسؤولياته. فضلا عن أنه يمكن إقالة رئيس المجلس الأعلى للحسابات دون أي موافقة من السلطات التشريعية أو القضائية، الأمر الذي من شأنه أن يقوض استقلاله في النهاية.

وعليه ومن أجل قيام ميزانية شفافة ومفتوحة وفعالة في المغرب في أفق الشروع بالعمل بالبرمجة الميزانياتية الثلاثية لسنوات 2019-2021 ينبغي على ضوء توصيات المنظمة الدولية لشراكة الميزانية:

- بلورة هندسة جديدة في العمل بناء على إشراك المواطن والمجتمع المدني في الترافع حول الميزانية وكيفية تجويد أداء ونجاعة تدبير المال العام حسب أولويات مضبوطة وإستراتيجية،

- وضع بيداغوجية تكوينية وعلمية وإعلامية جديدة في العمل، من اجل تقوية قدرات المواطنين والبرلمان والمجتمع المدني، على السواء، في اكتشاف الميزانية وامتلاك آليات حكامتها وشفافيتها وأداء نجاعتها،

- تسليم المفاتيح للخاضع للضريبة في فهم صيرورة اشتغال الميزانية ومديونيتها وشروط توازنها، فضلا عن اكتساب الموارد والنفقات والمساطر،

- القيام بحملة واسعة في أوساط المواطنين في مجال الميزانية المفتوحة والشفافة (مواقع الأنترنيت، إعلانات، معلقات، اجتماعات الأحزاب واللجان البرلمانية)، وإنشاء منصة إعلامية للتحسيس بأهمية الميزانية الشفافة وآليات اشتغالها في بلوغ أهداف التنمية،

- عقد جلسات الاستماع للسلطات التشريعية والتنفيذية حول ميزانية الوزارات والإدارات، والوكالات المحددة، وكذلك حول تقارير الرقابة التي يتم سماع شهادة الجماهير بها.

- وضع آليات رسمية للجمهور لمساعدة المجلس الأعلى للحسابات على تكوين برنامج المراقبة الخاص به والمشاركة في تحقيقات المراقبة،

- وضع بنك للمعلومات حول المشاريع المقترحة من لدن المواطنين، من أجل مناقشتها وانتقائها لمعرفة مدى قابليتها للتنفيذ،

- تشجيع الإبداع والخيال والاكتشاف عند المواطنين من خلال تجويد الإنفاق وامتلاك الحلول العملية والتقنية لحل مشاكل معاشة.

وتؤمن مبادرة الشراكة الدولية بأن بناء ميزانية مفتوحة تتيح للمواطنين الحكم فيما إذا كان المسؤولون عن إدارة المال العام وكلاء صالحين وأمناء تجاه المال العام، اعتبارا أن الميزانية التي تتميز بالشفافية والمشاركة تقلل فرص الهدر أو الفساد في الإنفاق (إمكانية زيادة الموارد المتاحة لمحاربة الفقر، رفع الاعتمادات اللازمة في مجال اقتصاد المعرفة والابتكار والبحث العلمي). وفي اعتقادي، أن تحقيق الأهداف المسطرة رهين بتحقيق ديمقراطية حقيقية وفعالة في تدبير ومراقبة المال العام قوامها وضع معايير واضحة وشفافة لتولي المهام العمومية والتمثيلية والقطع مع منطق الريع السياسي، والإداري، والزبونية، والولاءات والانتهازية، عبر اعتماد قيم جديدة في الكفاءة والاستحقاق والمعرفة وتكافؤ الفرص والمسؤولية الاجتماعية.