رأي

عبدالمجيد مومر الزيراوي: "قَوَّضَهَا " رئيس الحكومة المغربية .. قَوَّضَهَا حزب العدالة و التنمية !

هكذا الأحداث تتوالى متسارعة و تتفاعَل ، الشعب كالسكران على إيقاع الهشاشة يتمايَل ، الرئيس يتغزل بإنجازات  حكومته و كَرَمِها "الإجتماعي" ؛ بل ..  هذا رئيس حزب العدالة و التنمية عليكم يتحايَل !. هذا ما تراه أمهات الأعين و ما خفي عن الشعب قانونٌ في مَالِيَّتِه نَتَدَاوَل ...

 فلماذا لا يأتي قانون المالية المقبل بنفس إجتماعي عميق يقينا شر الكثير من الفتن و القلاقل؟! و لماذا  يحاول البعض أن يولج ليل الأكاذيب في نهار الحقائق التي تُزْهِق الباطل ؟! .

 

و مع متابعة جديد الخطاب السياسي الصريح و المُرَقَّم بعروض وزير الاقتصاد و المالية محمد بنشعبون حول ضرورة الإقتراض و الإستدانة و بيع مؤسسات عمومية قصد ضمان موارد مستعجلة و توفير سيولة مالية لتدبير مصاريف ميزانية الدولة المغربية. يفاجئنا الرئيس-الفقيه سعد الدين العثماني  بخطاب إنكاري بإمتياز يَسْرُد ضِمْنَه أماني الوهم و منجزاتِه التي تجعل رئيس الحكومة المغربية يعمل على إقناعنا بِرِوَايَتِه المُسَيَّسَة عن "اللَّمسة الإجتماعية" لقانون المالية و عن بسطاء العمال الذين ستكفيهم زيادة " قَرْفِيَّة أو زَرْقَلاَفْ " في أجرتهم الشهرية لحماية قدرتهم الشرائية ، و كذلك التبشير بحلول تقليص نسبة البطالة التي تنسف حاضر و مستقبل جيش عرمرم من الشباب المعطلين ؛ وَ لَسَوْفَ تَكْفِيهُم  الأربعون ألف منصب شغل ! 

نعم ؛ هكذا جَازَ لنا القول بأن مخطط الدولة الاجتماعي و ما يحمله من تطلعات إصلاحية مأمولة و غايات تنموية منشودة ، لا نَجِدُ له أثرا رقميا كافيا و مناسبا ضمن قوائم قانون المالية المقبل ، فالموارد المالية للدولة المغربية تكاد تكون مُنْهَكَة و غير قادرة على ضمان بلوغ الأهداف المرجوة من المخطط الإجتماعي. و يبدو أن إنعدام الحلول الاقتصادية الناجعة لدى أحزاب الأغلبية الحكومية لمعالجة الأعراض الظاهرة من ضعف الإنتاج و عجز المقاولات المغربية عن تحريك برك الإقتصاد الوطني الراكدة ، يزيدان من حاجة العمل الحكومي الماسَّة إلى تجاوز منطق الترميم في تدبير الأزمة الاجتماعية و الاقتصادية التي تزداد استفحالاً.

و بالتالي يكاد يكون من باب الوضوح في التحليل ضرورة التأكيد على أن "الإنقاذ الديمقراطي " يشكل الشعار الرئيسي للمرحلة السياسية الراهنة التي يمر منها المغرب ، فالفقيه سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة و التنمية  يترأس حكومةً مضطربةٌ سماءُ تَحالُفاتِها ، مفضوحٌ شتات مكوناتها و منزوعةٌ عنها ثقة الشباب . هذا سعد الدين العثماني يعمل وفق هندسة حكومية إنتقلت من إشهار حسن النوايا التوفيقية إلى واقع المطاحنات السياسوية بين مكوناتها و استصدار القوانين المالية التلفيقية .

و يبقى المختصر المفيد من الأزمة الحالية للأغلبية البرلمانية التي لم تنطفئ نيران حروبها الداخلية - ومنها موقعة مجلس المستشارين حيث جاء تصويت أحزاب التحالف الحكومي لصالح حزب معارض ضد حليف سياسي يقود الأغلبية - ، يبقى المختصر المفيد مطالبة رئيس الحكومة المغربية الفقيه سعد الدين العثماني بضرورة التحلي بقيم و أخلاق الوطنية المسؤولة و الإلتزام الشجاع بممارسة صلاحيته في العمل الحكومي مثلما تضمنه أحكام الفصل 104 من الدستور المغربي ، حيث يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس، ورئيس المحكمة الدستورية، بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري . و يقدم رئيس الحكومة أمام مجلس النواب تصريحا يتضمن، بصفة خاصة، دوافع قرار الحل وأهدافه.

فلا بد لحزب العدالة و التنمية الذي يقود الإئتلاف الحكومي بعد تصدره لنتائج إقتراع السابع من أكتوبر 2016 ، لا بد له أن يعود من جديد لسماع صوت الإرادة الشعبية بعد أن فشل في إنجاز الحد الأدنى من الانتظارات الوطنية الكبرى ،  و بعد أن أصبح حزب العدالة و التنمية يجد نفسه متصدرا لتحالف أحزاب بيع الأوهام فلابد إذن من إعادة مساءلة الصوت الانتخابي مجددا و الإلتزام بإرادته المعبر عنها من خلال صناديق التصويت.

و لعله من السهل الشديد تفسير دوافع قرار حل البرلمان و العودة من جديد لصناديق الاقتراع لتشكيل فرز انتخابي جديد بعد أن لم تستطع المنظومة الحزبية ضمان التحالفات الإستراتيجية الداعمة للمسار التشاركي السليم  و العمل الحكومي المنسجم القادر على النهوض بأعباء أمانة تمثيل الإرادة الشعبية .

أكيد أن مفهوم الديمقراطية يظل مفهوما دخيلا على أحزاب "الإسلام السياسي"، غير أننا رغم الاختلاف العميق مع تنظيم العدالة والتنمية نعترف أنه من الواجب الدستوري على أحزاب التجربة الإنتخابية و السياسية الحالية تغليب المصلحة الديمقراطية أولاً و أخيراً، و تفعيل أحكام الميثاق الأسمى للأمة المغربية وفقا لروح ونص  التوابث التي تستند عليها الأمة ومنها الاختيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه. 

و لأن صوت الديمقراطية هو صوت الحسم في مسار البناء الوطني ، فأحكام الميثاق الأسمى للأمة المغربية تجعل مفاتيح الحل بين مشروعيتين دستوريتين. لذلك نسائل الوازع السياسي الديمقراطي لدى حزب العدالة و التنمية " قائد " التجربة الحكومية الحالية انطلاقا من تشبتنا - كشباب حداثي شعبي- بِكُنْهِ وَ جَوْهَر الفصل الثاني من الدستور الذي ينص على ما يلي : السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم.

و كذلك أحكام الفصل الحادي عشر من الدستور الذي ينص على أن : الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينهم.

فهل يجرؤ رئيس الحكومة المغربية على ممارسة صلاحياته الدستورية و يقدم تصريح حل البرلمان ؟! أم أن خوف حزب العدالة والتنمية من التصويت العقابي و الرغبة في  الحفاظ على غنائم الإستوزار ستجعلان ورش الإنقاذ الديمقراطي  خبراً لبعض النواسخ الفعلية ؟!.

 

الديمقراطية أولاً و أخيراً