تحليل

قراءة في الجانب الاجتماعي لمشروع قانون المالية لسنة 2019

عادل الصدقي

في إطار إعداد وتحضير الحكومة لمشروع قانون المالية لسنة 2019، وفي سياق التحضير لهذه المحطة والموعد التشريعي السنوي، الذي يعتبر آلية لتنزيل التزامات البرنامج الحكومي، وفي ظل حرص الحكومة على تنزيل التوجيهات الملكية السامية، يعتبر قانون المالية تلك الوثيقة المحضرة من قبل الحكومة والمصادق عليها من قبل البرلمان التي تحدد فيها خلال كل سنة مالية موارد الدولة وأعبائها المنتظر تنفيذها، وذلك في إطار احترام التوازنات العامة.

وتبرز أهمية مشروع قانون مالية سنة 2019 رقم 80.18، في كونه ذا طابع اجتماعي، ويرجع هذا التوجه الذي أثير بشكل كبير في الخطوط العريضة لهذا المشروع إلى مجموعة من الاختلالات والمشاكل والمعيقات التي تعرفها منظومة الخدمات الاجتماعية ببلادنا، وهذا ما يجعل المشروع يرتكز على أربعة مرتكزات رئيسية، سنكتفي بتناول مرتكز واحد يتمحور حول السياسة الاجتماعية.

الجانب الاجتماعي في مشروع قانون المالية

لا بد من الإشارة أولا إلى كون مشروع القانون المالي لسنة 2019 يدفعنا إلى القول بأنه يخلو من مجموعة من الإجراءات التي كان لا بد من التنصيص عليها سواء من أجل تقريب وإصلاح العلاقة ما بين الدولة والمواطن في ظل التشنج الحاصل بينهما، نظرا لمجموعة من القرارات اللاشعبية التي أثقلت كاهل الأسر المغربية، أو من خلال المناصب المالية المخصصة لهذه السنة البالغ عددها 25458 منصبا موزعة على قطاعات متنوعة، والتي تتجه من خلالها الحكومة إلى متابعة العمل بنظام العقدة، في حين إن المناصب العليا ومناصب المسؤولية لا تخضع لأي تغيير.

وقد حاول مشروع قانون مالية سنة 2019 في الجانب الاجتماعي كنقطة أولية الاهتمام بالأدوار الإيجابية التي تلعبها المدرسة المغربية في ركن التربية والاندماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب، وذلك عن طريق إعادة الاعتبار لها بتكثيف برامج دعم التمدرس من أجل تخفيف التكاليف التي تتحملها الأسر، ومحاربة الهدر المدرسي من أجل مواصلة إصلاح منظومة التعليم والتكوين، وجعل التعليم الأولي إلزاميا للدولة والأسرة وإدراجه تدريجيا في التعليم الإلزامي. ولهذا الغرض، سيتم تخصيص غلاف مالي قدره 1,35 مليار درهم، برسم سنة 2019، لتأهيل وتجهيز 1465 حجرة وبناء وتجهيز 5.826 حجرة في المدارس الابتدائية، ولتسيير الحجرات وتكوين المدرسين.

في السياق ذاته، وفيما يخص النقطة المرتبطة بتشغيل الشباب وتأهيلهم لسوق الشغل، فقد أكد مشروع قانون المالية لسنة 2019 ضرورة التفعيل السريع للإجراءات المبرمجة على مستوى الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، خاصة فيما يرتبط بملاءمة التعليم والتكوين مع متطلبات سوق الشغل، هذا الأمر من وجهة نظر خاصة يتطلب خلق جسور للتواصل قائمة بين الجامعة والتكوين المهني، والانفتاح على القطاع الخاص في إطار إعداد خريجي المعاهد والجامعات مع سوق الشغل.

أما المجال الصحي، فقد خصه مشروع قانون المالية بمجموعة من الإصلاحات من بينها البدء بالعمل بمخطط الصحة 2025 الذي يهدف إلى تمكين المواطنين من خدمات صحية جيدة، وتحسين ظروف استقبالهم في المستشفيات، وتوفير الأدوية، إلى جانب تحسين تدبير الموارد البشرية، وتوفير ظروف ملائمة لاشتغالها، والعمل بدءا من سنة 2019 على تصحيح الاختلالات التي يعرفها تنفيذ برنامج المساعدة الطبية رغم وجود سخط عارم للمواطنين على الحالة الكارثية التي تعاني منها معضم المستشفيات وظروف استقبال المرضى وقلة الموارد البشرية واللوجستيكية.

فيما يرتبط ببرامج الحماية الاجتماعية، وفي سنة 2019، ستعمل الحكومة على إخراج السجل الاجتماعي الموحد، وذلك من أجل ضبط المعطيات بخصوص الفئات الاجتماعية المستحقة للدعم، وتحسين استهدافها من خلال كل البرامج الموجهة لهذه الفئات، زيادة على مواكبة المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتقليص الفوارق المجالية وتنمية العالم القروي عن طريق تعبئة الموارد المالية المرتبطة به، مع اتخاذ كافة التدابير من أجل تعزيز نجاعة وفعالية هذا البرنامج.

يمكن القول إن هذه أهم التوجهات الكبرى التي يتضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2019 في الجانب الاجتماعي الذي نريد له أن يكون خطوة أولى في التوجيهات السامية لصاحب الجلالة، وتنفيذا للبرنامج الحكومي، في ظل تطلعات المواطنات والمواطنين إلى الشغل والكرامة والصحة والتعليم والولوج المنصف والعادل إلى الخدمات وفرص النجاح، رغم وجود سخط عارم لأغلبية المواطنين والمواطنات على القرارات اللاشعبية للحكومة في ظل غياب معارضة قوية.

*باحث في المالية العامة والحكامة