سياسة واقتصاد

هل سيرفع خطاب الملك الستار الحديدي بين المغرب والجزائر؟

سليمة فرجي

ما من شك في أن الآباء والاجداد والجيل الحالي، منذ استقلال المغرب سنة 1956 واستقلال الجزائر سنة 1962 وإيمانا بالقواسم المشتركة ومواجهة الاستعمار معا، لم يحلموا بالتكامل المغاربي ونبذ التشنجات التاريخية لفسح المجال أمام مستقبل يوحد أشقاء جمعتهم رابطة الدين واللغة والعلاقات الدموية والتاريخ النضالي المشترك؟

ولعل الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة بتاريخ 6 نوفمبر 2018 بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء كان مبلغا لرسائل قوية بنبرة جديدة إيجابية ترمي فتح ملفات مستقبل واعد عبر آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور ومؤكدا على الاقتراحات والمبادرات التي تتقدم بها الجزائر بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الشقيقين.

كما أن الخطاب الموجه بتاريخ 20 غشت 2016 من طرف الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب والإشارة إلى ارتباط المغرب بمحيطه ليعد تشخيصا للوضع المغاربي انطلاقا من تاريخ مشترك مبصوم بتضامن المغرب المطلق عبر التنسيق بين قيادات المقاومة المغربية وجبهة التحرير الجزائري، بالإضافة إلى المساعدات القيمة التي قدمها المغرب للجزائر من أجل الحصول على استقلالها، علما أن سكان مدينة وجدة والمدن الحدودية يتذكرون قبل 1962 تاريخ استقلال الجزائر جميع المساعدات المادية والمعنوية المقدمة، والتفاني في مد يد العون واستقبال الجنود الجزائريين وإيوائهم.. لذلك، فإنه كان من المفروض أن يتم ربط الماضي بالحاضر والتحلي بروح تضامنية من أجل رفع التحديات التنموية والأمنية المشتركة..

لذلك، تعالت بعض أصوات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية تندد بالإغلاق المستمر للحدود وتطالب بفتحها، على اعتبار أن معاناة ساكنة الحدود مستمرة سواء تعلق الأمر بمدينة وجدة أو مغنية وتلمسان والغزوات والتي تتميز بوجود عائلات مشتركة تجمعها روابط دموية وروابط مصاهرة وهي محرومة من حقها في صلة الرحم بسبب الإغلاق المستمر للحدود.

وقد أشار جلالة الملك في خطاب سادس نوفمبر 2018 إلى كثرة الأسر المغربية الجزائرية التي تربطها أواصر الدم والقرابة وأن مقاومة الشعبين كانت مشتركة حتى الحصول على الاستقلال، وحاليا يتجسد العدو المشترك في الجماعات الإرهابية والحروب الأهلية والصراعات والهجرة والفقر المدقع ومختلف آلام شعوب مكلومة تعيش حالة ترويع مستمر ولا تكون مواجهة هذه الأخطار المحدقة ممكنة إلا بتضامن الشعوب وشد أزر بعضها ببعض، ناهيك عن إيجابيات التكامل الاقتصادي في جميع مناحيه على اعتبار أن كل دولة مكملة للأخرى من حيث الموارد الطبيعية واليد العاملة والمنتوجات الفلاحية، وأنه يصعب زعزعة استقرار دول متحدة ومتآزرة.

الملك أشار في خطاب سادس نوفمبر الأخير إلى أنه طالب، منذ توليه العرش، بصدق وحسن نية، بفتح الحدود بين البلدين وبتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية.. ولعل إحداث الطريق السيار فاس وجدة لتعبير عن نية ربط البلدين وتسهيل التنقلات وحركات المرور تحقيقا للحلم المغاربي بالإضافة إلى فك العزلة عن جهة الشرق، علما أن وضع العلاقات بين البلدين نتج عنه ركود الحركة الاقتصادية وانقطاع صلة الرحم على الجانبين في الوقت الذي تصبو جميع دول العالم إلى التكامل الاقتصادي والاندماج..

لذلك، فإن إشارة ملك المغرب في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2016 وخطاب ذكرى المسيرة الخضراء بتاريخ سادس نوفمبر 2018 إلى ربط الماضي بالحاضر، والتطلع إلى تجديد الالتزام والتضامن الصادق الذي يجمع شعوب المغرب الكبير لمواصلة العمل بحسن نية لمواجهة تحديات المرحلة، ليعتبر في قمة الحكمة والنضج السياسي والوفاء التاريخي والنبل الأخلاقي خدمة للمصالح العليا للمحيط المغاربي والإفريقي! مواقف تهدف بالأساس إلى إحياء أمجاد التاريخ وتحقيق حلم مغاربي يستفيد من تحقيقه مواطنون يصبو جلهم إلى تكامل اقتصادي واستقرار وأمن وأمان، كان على الجيلين الحاليين للمغرب والجزائر أن يدركا أنهما كانا سيكونان أقوى اقتصادا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لو لم يقع التجني على التاريخ؛ لأن المتدثر بالماضي المشترك والتاريخ المبصوم بالتآزر وبالموروث الثقافي الغني سيتجاوز حتما حالة الجمود والخلافات الظرفية التي تعيق تكاملا وتآزرا بين بلدين جارين شقيقين.. فهل سيشهد الجيل الحالي عودة المياه إلى مجاريها ورفع الستار الحديدي المسدل منذ عقود؟