عبد الإله الجوهري: عمر عبد الكافي عندنا، يا مرحبا بثقافة عذاب القبر

لم تعد المساجد والكتاتيب القرآنية تسع، على كثرتها، محاضراتهم الدينية، الغارقة في الترهيب والترغيب والوعيد بعذاب القبر، والثعبان الأقرع، والنار المستعرة، والصراط الأرق من الشعرة والأحد من شفرة حلاقة "مينورا". ولم تعد المقرات الحزبية، على اختلاف ألوانها وأشكالها، تقنع بإحتضان لقاءاتهم السياسية، وشحنهم للجماهير بشعارات فجة مخدومة. ولم تعد القنوات التلفزية، على تعددها ودفعها للمال بالأورو والدولار، تملأ عيونهم المركزة على الخواء الأخلاقي، ورؤوسهم المشرئبة نحو الربح السريع و الفوز بالحسناوات البيضاوات...

 لقد اختاروا هذه المرة وبكل قحة، على أرض المغرب، أن يتوجهوا صوب الفضاءات الثقافية، خاصة منها المسارح، ليحتلوها ويلوثوها بصراخهم الديني المتخلف، ولغطهم الغارق في الديماغوجية، وبيعهم لمفاتيح الجنة للآلاف المؤلفة من البشر الغارق في الضنك والإحساس بالخطيئة والذنب، والباحث عن صكوك غفران ممهورة ببصاق الصراخ والجهل الطالع من الأفئدة الفارغة من كل حب أوإحترام لانسانية الإنسان، والمغلفة في أدعية شفافة مستنبطة من تاريخ الجهل وكتب الكتبة المعروفين بتمريغ وجه العلم في التراب، وإتقان فن جر البسطاء نحو الأرض الخلاء، لكي يقيموا صلاة الإستسقاء على موت العقل والمنطق.

مناسبة القول المحاضرة "الأدبية" الدينية (لاحظوا: أدبية دينية)، التي سيلقيها الدكتور إبراهيم عبد الكافي بمسرح محمد الخامس بمدينة الرباط، محاضرة تجمع ما لايجمع إلا عند أساتذة النصب والإحتيال وبيع العجل الذهبي لبني الإسلام، العائشين اليوم على وقع التاريخ المنقضي لغزوات رامت الحصول على الفيئ وسبي الجاريات وصنع البطولات الواهية، بطولات شمس الصحراء الحارقة والرياح الساخنة المحملة برمال الزمن الأعجف، زمن لم يعد يركب على صهوته إلا دجالة العصر ودكاترة الفجاجة والشعبوية الغارقة في أتون الربح المادي السريع، من خلال قول ما يريد الضعفاء سمعه، ويحب الجهلاء الإنتفاع به ومن خلاله..

مصائب الأمة المغربية اليوم، لم تعد منفردة متفردة، بل أصبحت عديدة ومتعددة الوجوه والأشكال والألوان. فبعد اللأعوام العجاف لحزب العدالة والتنمية وسياساته الهوجاء في الإجهاز على المكتسبات، ومسخ هويتنا، وضرب عمقنا المغربي المتسامح، وبعد سنوات الموت الخانق لأصوات المعارضة اليسارية الحرة ودفن رفاتها في مقبرة التقدم والإشتراكية، بمباركة جل الأحزاب التقدمية، وبعد حلول فصل التظاهرات التلاميذية الغارقة في روح الفجاجة والصبيانية، بسبب ساعة زمنية لا نعرف لحد الساعة من ضبطها أو أوصى بإعتمادها لحل معضلة الطاقة والتوافق مع الساعة الأوروبية..، ها نحن نبتلى بمجىء رجل يستمد معرفته من كتب صفراء، ويحمل علمه في جيوب سترته السوداء، من كثرة الذهاب والإياب، والطلوع والهبوط، وممارسة بيع الدين بالدنيا، والحث على التمسك بالعروة الوثقى.

أن يستقدم بعض المنتفعين من ظلمة الليل هذا المسمى عبد الكافي، وأن ينتفعوا من علمه العريض مسألة بديهية، لأنها تتوافق مع قناعاتهم الجهلاء، ماداموا يعيشون بيننا، لكن أن يحتلوا فضاءاتنا الثقافية ويهجموا على مسارحنا الوطنية، فتلك نهاية النهاية، لا تضاهيها بل ولا تتجاوزها غير تراجع العقلاء عن قول الحق والجهر به، و انزوء الجسم المعرفي والثقافي المغربي، عن عبث تحويل معلمة ثقافية، المسرح الوطني محمد الخامس، إلى فضاء للغط الديني المسيس..

مصيبة كبرى وفضيحة لن ينسى التاريخ أن يدونها بمداد كالح وحروف سوداء، سيسجل من خلالها مدى قبح الزمن المغربي اليوم، وانزواء الإنتليجينسيا المغربية عن لعب أدوارها التاريخية بكل جبن، وتراجع الوعي عند حراس الأمة من علماء ورجال دين متنورين، وصمت أصحاب السلطة والوقت المتشدقين دائما وأبدا بإنفتاحنا على روح الحداثة والديموقراطية المبنية على قيم التسامح الرافضة لكل أشكال الخلط، الخلط الذي قد يقع، بفتح أبواب معلمة ثقافية، ذاكرة فنية حقيقية، مسرح وطني وجب حمايته من غزو الفكر الديني الراقد بين فتاوى ابن تيمية وأحضان الكتب الوهابية..

 وإلى حين انتفاض الجسم المغربي الحر ومواجهته للتطيبع مع القبح الفكري، أتساءل: أين الوزارة الوصية على قطاع الثقافة؟.

عذرا، لقد نسيت أن السيد الوزير هارب منذ مدة، من لغط واحتجاج الشعراء والروائيين والمسرحيين والسينمائيين، ومن لف لفهم من المثقفين ، وبالتالي لا حرج عليه في حماية نفسه ومصالحه، ومصالح حزبه المؤقت، أما الوطن فليذهب للجحيم.