تحليل

الفكر الاستئصالي مقدمة للفكر الإرهابي

عبد اللطيف مجدوب

صناعة داعش وإلباسها رداء الإسلام

إذا نحن استعرضنا كرونولوجيا الإرهاب، وتلمسنا بصماته في استهداف ضحاياه، سنجد المنطقة العربية في مقدمة فصوله، تليها في الفظاعة وهدر الدماء البريئة أوروبا وأمريكا، وكلها تؤشر على أن الإرهاب، بالمعنى الذي ينتزع الحياة من الآخر، لا وطن لمنابعه ولا جغرافية لدبيبه وتحركاته، فهو يضرب اليوم في إفريقيا وغدا قد يصطاد ضحاياه في آسيا أو أمريكا، كما أن منابعه لا يمكن بأي حال أن تقف عند عقيدة متشددة أو إسلام متطرف.

وحري بنا التوقف عند بعض التيارات الإسلامية المتشددة كبذور أولى للدعوة إلى تطبيق التعاليم الإسلامية وما صاحبها من غلو في الأحكام إلى درجة التطرف، منها، بوجه خاص، السلفية الجهادية والوهابية التي ترعرعت في كل من باكستان وأفغانستان على أيدي حركة طالبان، لتثمر فيما بعد حركة القاعدة التي أسست للفكر الجهادي على يد بن لادن، على أن الفكر الصهيوني، وإمعانا منه في تصفية الأنظمة العربية، احتضن هذا التيار الظلامي وأمده بكل الأسلحة والأدوات اللوجيستية ليركب موجة "الربيع العربي" تحت عناوين دولة "داعش" وأخواتها في بلاد الشام والعراق التي تدين بقوانين جائرة لا صلة لها بتعاليم الإسلام. ورأى العالم بكل ذهول فظائع ترتكب في تقتيل الأفراد والجماعات وكل من لا يعلن ولاءه لـ"داعش"، بيد أن هذا الإرهاب لم يبق مقتصرا على الجماعات الإسلامية بل انتقل إلى إرهاب الدولة، حينما تعمد هذه الأخيرة إلى مصادرة حقوق الأفراد والجماعات والزج بهم في غياهب الزنازين والسجون، تحت ذريعة "محاربة الإرهاب"!

الفكر الاستئصالي Eradictionism

حتى الآن، ومنذ اتساع رقعة الضربات والحالات الإرهابية في أنحاء العالم، كان الإعلام دوما يجعل من الحركات الجهادية والجماعات الإسلامية المتطرفة المحرك الأول وراء كل عمل إرهابي، دون أن يجشم نفسه عناء البحث في جذوره دون إقصاء العوامل السوسيو-اقتصادية. فكان حريا به أن يتحلى بقليل من الجرأة ليقر بأن تنامي الإحساس الطبقي والفوارق الاجتماعية وانعدام تكافؤ الفرص هي مشاعر تغذي الفكر الاقصائي والظلامي، وبالتالي يفضي بصاحبه إلى حمل روح انتقامية من الأفراد والجماعات ومن الآخر، وقد يغدو الفكر الإرهابي، بهذا المعنى، فكرا مرضيا ناقما شبيها بالانتحار مع فارق أن الفكر الإرهابي الناقم يميل حامله إلى الانتحار وسط ضحاياه بينما الميال إلى الانتحار يقتل نفسه فقط بأية وسيلة متاحة بجرعة عقار أو مخدر أو الشنق أو التطويح بنفسه من مكان شاهق.

النظام الدولي ونصيبه في توليد الفكر الإرهابي

لا غرو في أن الرأسمالية المتوحشة وامتداداتها في بسط نفوذ العولمة أفضت إلى وأد الكثير من القيم الأخلاقية التي تأسست عليها كل الشرائع والقوانين والحقوق، فلم يتبق منها سوى القيم الاستهلاكية القائمة على إشباع الحاجيات المادية الآنية، وأحيانا مقايضتها مقابل التخلي عن نبل العلاقات الإنسانية وصفائها، ما يؤكد أن هذه القيم المادية الصرفة أصبحت هيكلا تصفى داخله النبالة والإنسانية والكرامة مقابل حطام الدنيا، كما أن النظام الدولي القائم على هذه الأسس كان من تداعياته تعميق الفوارق الطبقية وقتل البعد الإنساني بين الغني والفقير، فتحولت العلاقة بينهما إلى عداء مستحكم، كل ينظر إلى الآخر نظرة إقصائية، فلا الغني يرحم الفقير ويسمح بمجاورته ولا الفقير يسعى خيرا بالغني، وكم من حوادث إجرامية أثبتت تورط هذه النظرة العدوانية بين الطرفين، لاستحالة تساكنهما وتجاورهما أو اعتراف كل منهما بثقافة الآخر.

وجدير بالذكر أن البنك الدولي كان قد أشر على أن رقعة الفقر ازدادت، في ضوء نظام العولمة الزاحفة، بين سكان المعمور بنسبة تقارب 3 بليون نسمة (نصف سكان العالم تقريبا) يعيشون على أقل من 2,50 دولارا في اليوم.