رأي

حبيب حاجي: آمنة ماء العينين.. أو عندما يتجسّم النفاق السياسي "امرأة".

انتظرت، كما انتظر الكثيرون مثلي، ردة فعل السياسية الملتحفة بعباءة الدين آمنة ماء العينين، على اتهامها بالاتجار في الدين ب "التبرج" بأموال دافعي الضرائب في البعثات والمهمات خارج أرض الوطن، هناك والتأسلم هنا ، وعلى "نشاطها" بمفهومه العامي وليس الاصطلاحي بنفقات التنقل والسفر المصروفة من أموال وميزانية المواطنين المغاربة.

وهي اتهامات لم تكن لشخصها، أو استهدافا لحياتها الخاصة، أو إمعانا في التنقيص بمناضلات السياسة بنكهة المؤنث، أو إسفافا وابتذالا لمقاربة النوع، وإنما هي اتهام صريح لمن اختار تدبير الشأن العام، وامتهان السياسة من "المهانة" وليس المهنة، ملتحفا رداء الوعظ وبراءة الذمة، وممعنا في رجم الآخرين بالتهم الجائرة وتخراج العينين، بيد أن بينها وبين الوعظ وخلو الذمة مسافة بعيدة.(خلو الذمة = الوضوح والشفافية)

قلت في البداية، أنني انتظرت بشغف كبير جواب البرلمانية ماء العينين على الاتهامات المنسوبة لها في تدويناتي السابقة (الاتجار في الدين والتحايل على المغاربة والنفاق)، أملا في أن تتحلى بنفس الجرأة والتجاسر عندما انبرت تحرض قادة المصباح وسدنة الحكم في حزب العدالة والتنمية على متابعتي أمام القضاء، على خلفية قضية الشهيد محمد بنعيسى أيت الجيد الذي لازالت روحه الطاهرة تمسك بتلابيب ثياب عبد العالي حامي الدين  واخرين  مناجية قصاص الدنيا قبل عدالة السماء، لكن مفاجأتي كانت كبيرة في الرد والطريقة!

المفاجأة الأولى كانت في الرد، الذي لم يُفند ولم يدحض التهم المنسوبة للبرلمانية المسرفة دائما في القول بدعوى استقلالية الرأي، بل على العكس من ذلك عززت التهم التي تطوق ذمتها المالية والأخلاقية بسكوتها عن جوهر الموضوع. والإمام الغزالي يقول في هذا الباب " السكوت في معرض الحاجة إلى بيان فهو بيان"، وسكوت ماء العينين وتعويمها للكلام ومرورها بين الكلمات العابرة هو إقرار بالفعل أكثر منه إنكار لوقوعه.

ومفاجأتي في الطريقة، كانت بنفس قدر الاندهاش في الرد،  إذ اختارت ماء العينين أن تقول كل شيء دون أن تقول أي شيء، مفضلة تهريب النقاش من حقيقته كتحايل سياسي ونفاق ديني وازدواجية في الخطاب إلى معركة سريالية مفتعلة بين الرجل والمرأة، وكأنني عندما كنت أتهمها كنت انتقد السياسة بنون النسوة. وحاشا أن أفعل ذلك أو أكون من الفاعلين.

فالمقصود باتهاماتي هي آمنة ماء العينين البرلمانية المحرضة على متابعتي أمام القضاء، ومؤدى اتهاماتي ينصرف إلى تقاطع ذمتها المالية مع تدبير الشأن العام، وإلى تماس أخلاقها مع الالتزام السياسي، دون أن يكون في ذلك تسطيح للخطاب ولا تنميق للمفردات مثلما اختارت هي في الرد، وكأنها تستغبي المغاربة، وتستخف بإدراكهم، فصارت كمن يقول فيه المثل المغربي الدارج" يبيع الحمار ويضحك على من شراه".

ولعلّ المتمعن في تدوينة ماء العينين الأخيرة يدرك- دون جرعة إضافية من النباهة- أنها تكرس النفاق السياسي في أقصى تمظهراته، فهي بين ليلة وضحاها صارت تقدمية في أفكارها، مستنيرة في توجهها، تدافع عن الفكر الليبرالي، وكأننا أمام تدوينة من وحي روح الشهيد محمد بنعيسى أيت الجيد أيام النضال قبل أن تغتاله قوى الردة على إسفلت شوارع ظهر مهراز بفاس. إن القاسم المشترك بين روح الضحية وتدوينة ماء العينين الأخيرة هو رصاص الحبر فقط، الذي اغتال الفقيد غصبا وها هو يسيل اليوم بلون الأحمر القاتم على ذكرى نعشه المسجى بتعاطف المناضلين الأحرار.

وللمرة الثالثة وليس الأخيرة، أقول للبرلمانية آمنة ماء العينين " خيبي أملي واذهبي إلى المحكمة لمقاضاتي، وخيبي أملي وكذبي خبر تبرجك بأموال دافعي الضرائب خارج أرض المغرب (اي الاتجار في الدين والتحايل على المغاربة)، وخيبي أملي وقولي لنا منجزاتك السياسية في المغرب المعاصر، وأنت التي تزعمين أنك تشتغلين على مدار الساعة"، أما تهريب النقاش وتغليفه بغلاف المؤنث، فإني أنزّه النساء غيرك مما تعبثين به ويعبث به من يحول دون تطبيق العدالة في قضية شهيد قوى الرد والنكوص الفقيد محمد بنعيسى أيت الجيد.

سؤال أخير له علاقة بما سبق: لماذا نشرت صورك مع من تعتبرينهم "العائلة الثانية"، دون الصور الاخرى( والفاهم يفهم) هل في تلك الصور ما يفضح مزيدا من توابل الاتجار في الدين؟ أم أن فيها ما يؤكد اتهاماتي السابقة والمتكررة؟.