العشق الممجوج في " مولان روج"

إدريس شكري

كانت الصورة واضحة منذ بالبداية، لأن السيدة التي كانت أمامنا هي آمنية ماء العينين، بلحمها ودمها وملامحها، الشيء الوحيد الذي كان يعوزها، هذه المرة، هي الشجاعة الأدبية الكاملة، لتعلن أمام الجميع ملء شدقيها: " أنا هي أمينة أمارس حريتي من دون نفاق ولا مجاملة، ومن حقي أن أركب مغامرة غرامية جديدة، كباقي النساء فوق هذه الأرض"، لا أن تنتظر أن يفتي لها عبد الإله بنكيران، خلال استضافته لها: " لي مزوجك إ طلقك".

في الحقيقة، لقد خاضت أمينة ماء العينين حربا واسعة و منظمة على نفسها، استعملت فيها كل الأسلحة الثقلية من إنكار ومراوغة وكذب، في وقت كان فيه من الممكن أن تصفي فيه الحساب مع ماضيها بدون ضجيج، وتعلن عن هذا التحوّل الذي قد يقع في حياة أي رجل أو امرأة... فالقناعات تتبدل، والرؤية إلى العالم تتغير تبعا للسن والنضج و التجربة، وقد خاضت أمينة ماء العينين تجربة زواج فاشلة، سعت إلى إنهائها أمام المحاكم، بعدما لم تجد نفسها في تلك العلاقة، تماما كما لم تجد نفسها في الحجاب أمام ملهى "المولان روج" بباريس.

تعتقد أو تبرر أمينة ماء العينين ما حصل بأنه تصفية حساب، لكن كان عليها أن تصفي الحساب مع رأسها أولا، لأن الظاهر أن ما تمارسه من فعل يخالف تماما ما تدافع عنه من فكر وقناعة تبدو هشة أمام  أول امتحان عشق، وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في محكم الحديث:" دواء العشق الوصال"، لذلك انتقلت أمينة إلى باريس ليس فقط لتشرب فنجان قهوة مع أم العشيق بمقهى باريسي في هذا الشتاء البارد، قبل أن تحيي ليلة رأس السنة في "المولان روج"، بل ـ ربما ـ لأشياء أخرى قد تضطر إلى أن تخصف عليها من أوراقا،  ليس حتما أوراق الجنة.

و الأكيد الذين اعتقدت أمينة ماء العينين أنهم "سموا ليشاهدوا المنظر من أعلى" ستتضح لهم الصورة أكثر عندما يقتربوا من الحقيقة، ليكتشفوا أن بنكيران كبير في كل شيء على حد تعبيرها، و أن المرأة تقدمت لهم بشكر وامتنان كاذب عن تضامن مفبرك مع صورة ليست مفبركة.