رأي

عبدالدين حمروش: ديبلوماسية الفنادق

اتصل بي "أحدهم"، في الأسبوع الفائت، من أجل المشاركة في لقاء حول "القدس" بالرباط.

والغريب أن علاقتي بصاحب الدعوة (وهو مسؤول ثقافي)، كانت قد انقطعت منذ ما يناهز أربع سنوات، لـ"مواقف" كنت قد عبرت عنها في حينه. والأغرب أن دعوة المسؤول الثقافي"الكريمة"، جاءت مقترنة، من دون الحاجة إلى ذلك، بتحديد اسم الفندق المفترض أن أنزل فيه. 

ما معنى الإشارة إلى اسم الفندق، لو لم يكن القصد استمالتي إلى حضور اللقاء، ومن ثم تحييد مواقفي "المعارضة له"؟

هل يمكن أن تغير دعوة، مقرونة بالإقامة في فندق (وربما بتعويض مالي بسيط) في مواقف الشخص؟

للأسف، هذا الأسلوب غدا رائجا، لدى الكثير من مسؤولينا الثقافيين، من أجل "شراء" بعض الكُتّاب.

تصوروا كيف يمكن أن تغير دعوة للمشاركة في قراءات شعرية، أو تذكرة بالطائرة إلى ندوة بالخارج، تصريحاتنا ومواقفنا المعلنة. لو لم يكن هناك استعداد لتقبل مثل هذه الدعوة، من قِبل بعض ضعاف النفوس، ما تجرأ هذا المسؤول أو ذاك على تكرار الأسلوب ذاته.

وأنا أتأمل دعوة هذا "المسؤول" (غير البريئة)، تذكرت كيف كان "الخصوم" يغمزون وبلمزون في بلدنا، بحشر ديبلوماسيته في ما ينعتونه "ديبلوماسية المامونية" (إحالة إلى فندق المامونية الشهير بمراكش).

وقريبا من هذا، طالعت حوارا، مع رئيس الفيفا...مما جاء فيه حاملا لذات المعنى: " لا يمكن أن ننظم كل شيء بالمغرب رغم أننا نأكل جيدا"..ما علاقة هذه بتلك: التنظيم بالأكل؟ لو لم يلاحظ مسؤول الفيفا "شيئا"(وهو المسؤول الأوروبي)، ما ربط التنظيم بالأكل؟ هل كل ما نستطيع تقديمه، ونحن نستقبل ضيوفنا الكرام، لا يعدو طبقا من أكلة مغربية؟

حقيقة، المغرب يتميز بتنوع مطبخه، وجودة أكلاته..ولكن، أن يصير هذا التميز موضوعا للملاحظة (الخبيثة أحيانا)، فإن ذلك مما يحتاج إلى قراءة في الخلفية. 

في السياق ذاته، لنعد إلى دعاء المغاربة على ناكر الجميل (الكافر بالطعام بتعبير البعض)، ممثلا في قولهم الدارج: "الله يوقف ليه فالركابي" (أي الطعام)؟

من المؤكد أن بدل القسم والعقود، صارت المشاركة في الطعام بمثابة شراء للولاء، أو على الاقل تحصين من غدر الضيف.. المشاركة في الطعام، هنا، نظير ما كان يتم عبر التحالف  بالمصاهرة (بين الملوك والقبائل، أو القبائل في ما بين بعضها البعض).

.........................................

عود على بدء: الأخطر في الدعوة، أعلاه، افتراض أن المغاربة جيعانين "جوعى".. يمكن شراؤهم بدعوة هنا أو هناك... هذا مما لا يستطيع المرء تقبله..وحتى إن حصل شيء من ذلك (أن كنا جوعانين فعلا)، فإن في أدبيات المغاربة ما يمكن الرد به على كل دعوة حاطة من كبريائهم: "كول التبن وادهن فمك بالسمن".