قضايا

التراث الثقافي

محمد بهضوض

ما فتئ موضوع التراث، يحظى بأهمية بالغة في عالمنا المعاصر. ما يفسر  الاهتمام  المتزايد به،  في جل الدول والمجتمعات، والجهود التي بذلت، وما فتئت تبذل، عالميا ووطنيا، لحمايته وتثمينه. 

       لكن ما مفهوم التراث؟ عموما،  يمكن تعريف  التراث بأنه "مجموع ما توفر لدى كل مجتمع من إرث، مادي ولامادي وطبيعي، يستحق المحافظة عليه وتثمينه". ما يفيد بانا إزاء ثلاثة أشكال من التراث هي : "التراث المادي"، الذي يشمل، الآثار والبنايات والمواقع  المادية الراسخة، الى جانب المنقولات،  ذات  القيمية المميزة؛ و"التراث اللامادي"، الذي يشمل الممارسات والتصورات والقوانين والتعابير الثقافية (الآداب والفنون ) والمعارف العملية؛ و "التراث الطبيعي"، الذي يشمل المعالم والمواقع والمشاهد الطبيعية، ذات القيمة البيئية والثقافية.  

    وهي أشكال خضعت، بالمناسبة، لتعريفت و مقاربات نظرية شتى: فلسفية واجتماعية وانثربولوجية ودينية وتاريخية وعلمية (فيزيائية، اركيولوجية، بيولوجية...) وقانونية و لغوية  وأدبية وفنية..،  ما يستحيل معه  الإلمام بكل  ابعادها  وضبط  رهاناتها وتحدياتها. 

      لكن التراث ليس تعريفات ومقاربات نظرية فحسب، وإنما هو  قطاع محدد أو حقل خاص، له إعلانات واتفاقيات ومؤسسات دولية تحدد معناه (بالجرد والتقييد والتسجيل)، كما له أجهزة وطنية تسهر على خدمته من: تنظيمات إدارية وميزانيات وموارد بشرية ومخططات وبرامج ومؤسسات للتكوين وبحث علمي، وما إليه.

        في المغرب، بدأ الاهتمام بالتراث، عمليا، منذ  سنة 1912. حيث كان من أولى التدابير التي اتخذتها الحماية الفرنسية هي:  الحفاظ على الوضع الديني-الثقافي القائم، وخلق مجموعة قوانين لحماية التراث (ومنها المدن العتيقة)، وبناء  متاحف ، والقيام بدراسات أو بحوث (اناسية واركيولوجية) ونشر مطبوعات في المجال (...).

      هذا ما استمر بعد الاستقلال، لاسيما بعد انشاء وزارة الثقافة سنة 1968، والتي جعلت من  مهامها حفظ التراث. وهذا عن طريق: 

*وضع قوانين خاصة بذلك، (على رأسها: القانون رقم 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات).

* ،خلق "مديرية التراث، مهمتها  "السهر على حماية التراث المعماري والأثري والإثنوغرافي والمتحفي ومختلف الثروات الفنية الوطنية والحفاظ عليها وترميمها وتعهدها والتعريف بها".

* توفير ميزانية محددة لذلك: وهي تبلغ نحو  1/3 ميزانية استثمار القطاع  (ما معدله 140 مليون درهم في السنة)، إلى جانب اعتمادات أخرى يتم الحصول عليها عبر اتفاقيات وشراكات، وطنية ودولية.

        هذا ما أسفر عن حصيلة معينة،  لن نتوقف  عند جوانبها الاحصائية الرسمية  (التي يمكن للقارئ أن يجدها في الموقع الإلكتروني للقطاع المعني)، وأكتفي، من جهتي، بتقديم بعض انطباعاتي في الموضوع:

-أولا ، أن المغرب حافظ، بشكل أو آخر، على أبرز مكوناته التراثية من آثار مادية وغير مادية وطبيعية، بغض النظر عما ضاع  أو هو مهدد منها.لكن،  باستثناء جهود قطاع الثقافة (المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث  الخاضع لوصايته)، فلا يتوفر المغرب الى حد الآن، على"استراتيجية وطنية للتراث"، واضحة المعالم.

ثالثا- أن الغاية من  حماية التراث، دون شك، هو الحفاظ على الهوية،  ما يفيد "أن تراثنا هويتنا"، أي ما نتميز به "نحن المغاربة" عن الغير.  لكن التراث لم يعد في عصرنا الحاضر مقتصرا على ذلك  فحسب،  بل تجاوزه ليصبح أحد مقومات التنمية، من خلال  ما اصبح يسمي ب. "اقتصاد التراث".

خامسا-  ولهذا جانب ايجابي،  يمكن للمغرب الاستفادة منه.  لكن، شرط الوعي بمسألتين: أولا،  تفادي  إفراغ التراث من قيمه الثقافية لصالح القيم المادية-الاستهلاكية (التسليع).وثانيا، مواجهة تحدي توسيع  مفهوم  التراث الذي أضحى يشمل إضافة إلى ما سبق  : التراث الصناعي، والتراث التحت مائي، و التراث الرقمي (..)

      ما آفاق "سياسة التراث" في العالم بشكل عام، وفي بلادنا بشكل خاص، في ضوء كل ذلك؟ هذا ما لا يمكنني التنبؤ به، وأترك الإجابة عنه للمستقبل.