قضايا

سي بنكيران يمارس "النكير"... حكاية الرجل الذي خلع كسوة الوقار

عبد العزيز المنيعي

في المغرب الرجل المتقاعد إما يلعب الضاما، أو يفرق "اللغا" في مقاهي شعبية، لا لسبب إلا لعدم توفر بلادنا على اماكن يقضي فيها المتقاعدون أوقاتهم بعد عمر من العمل. وغالبيتهم يتقاعدون عن كل شيء إلا "النكير"، يكثر فيهم والنساء ادرى به، فهن ملسوعات به أكثر، وكما قيل "المرأة عندما تكبر تصير حكيمة، والرجل عندما يكبر غير غادي ويطفي الضو".

لحسن حظ آل بنكيران في بيته، انه فضل النكير خارجيا، ولم يشملهم به، فهو يعتبر نفسه كان مرتبطا ولا زال بالمسؤولية السياسية و الحكومية والشعبية، وهو ما يخول له حق ممارسة "النكير" على الرأي العام.

خرجاته المتعددة التي وزع فيها "مواقفه" يمينا ويسارا، لا تشبه خرجته الاخيرة، السبت، في ندوة صحافية، فهي اولا تمت بحضور السلطة الرابعة، لسكن رئيس الحكومة السابق، والامين العام السابق الذي كان يمسك فتيل المصباح حتى لا ينطفئ نوره. الخرجة الجديدة لها دلالاتها ورمزيتها، ليس بسبب "تصريحاته" التي لم تختلف عن السابقة، بل فقط لكونه قرر أن يخوض يتفصيل وبشكل عام في ما قاله في حلقات، وزاد عليه "صابونة" اخرى أوصلت زلقته إلى قبر رفيق دربه، عندما شكك في وفاته.

كل هذا لا يهم، امام تكدس الفراغ في وقت السيد بنكيران، الذي ربما لا يعرف كيف يلعب "الضاما"، وربما وضعه الإعتباري لا يسمح له بإرتياد المقاهي الشعبية من أجل "تفراق اللغا".

طبعا طبعا فالرجل رئيس حكومة سابق و امين عام سابق، فهو "الرجل الذي" سيشهد له التاريخ بأنه خرف قبل اوانه، وهو الوحيد من المسؤولين السابقين الذين لم يهضموا مسألة التقاعد بعد.

السيد بنكيران الذي حول أضواء الأفق العام، إلى ظلام المصالح الشخصية، لم يتورع عن ضرب هذا بذلك، وتصنيف فلان في خانة الحلفاء ورمي علان في سلة الأعداء، كما لو كان هناك من يريد أن يكيد له كيدا وهو لم يعد مؤثرا حتى في وسط إخوانه المصباحيين.

الحقيقة الماثلة امامنا اننا نقف امام حالة مستعصية على الفهم، حالة تحتاج إلى أريحيتنا وصبرنا وقوة تحملنا، فمهما كان سي بنكيران قضى وقتا مسؤولا عن حكومتنا، وهو يقضي اليوم وقتا مسؤولا عن إزعاجنا، وسيقضي أوقاته كلها في هذا الهدف النبيل الذي وضعه نصب عينيه، سيفتي كثيرا وسيقول قولا لا حصر له، وسيدلي بدلوه المثقوب في بئر السياسية والاقتصاد وعلم الإجتماع، وحتى علم تشريح الاموات.

سي بنكيران الذي تنكر له حزبه ولم يصرف له سوى ما تيسر من معاش، وهو وهم يعرفون السبب بكل تأكيد. لم يعد يجدي معه الانتقاد والمحاججة والنقاش المفتوح، فالرجل يتوفر على لسان مسلول ومصقول وصبر لا يكل وأفكار تبدو له وحده، ولا نراها نحن فكيف سنناقش ما لا نراه، كيف سنقاوم ما لا يمكننا الوصول إليه..

النصيحة الكاملة و المكتملة في مثل هذه الحالات، هو دعوا الرجل وشانه لا تلتفتوا لأقواله ولا لتصريحاته ولا لأي شيء فقط دعوه كما هو يعيش لحظته الخاصة التي لا نريدها بأي شكل من الأشكال لحظة عامة، فأمامنا الكثير لننجزه كل من موقعه، ولا يمكننا ذلك ما دمنا نحفر في صخر العناد ونبني صرحا فوق سراب البهتان..