تحليل

سبع وصايا لانتشال حقّ من مرفقنا الإداري

سعيد بوخليط

التقصيات الأولي لعين المكان:

قصد التقاط تفاصيل صغيرة، لكنها في غاية الأهمية، بخصوص تحقيق القصد بأقل الخسائر النفسية والجسمية الممكنة، وجب لزوما أن تستوعب سلفا طبيعة الأجواء السائدة بنيويا داخل المرفق الإداري المقصود. لذلك، ينبغي لك أخي المبادرة بين الفينة والثانية بالقيام برحلات مكوكية، تفقدية، وإن جاءت خاطفة، فاعتبرْها تمرينا جسديا مؤهِّلا بدنيا لمفاجآت المقبل من الأيام! تمدك بزاد لوجيستيكي لا بأس به، يساعدك عزيزي على استيعاب موضوعي وليس خيالي بما يجري وراء وخلف الجدران بخصوص العقليات، والأمزجة، والأهواء، والمكبوتات، والعقد، والنفسيات، والحضور، والغياب، وكم يستغرق الحضور؟ وماهي حدود الغياب؟ والفطور، والغذاء، وما بين الوجبات، والوجبات الثقيلة والخفيفة؟ وكيف تشتغل جدليات الحضور والغياب بين الموظفين وفضاء الإدارة؟ وساعات الغضب، ولحظات الانبساط، ثم ماهية الأشياء التي تسعد أصحاب التوقيعات أو على العكس تعكر صفو أذهانهم؟ ومفاتيح أسرار السيكولوجيات، على سبيل الذكر لا الحصر: الذهاب إلى الحج من عدمه، لأن تسمية الحاج أو الحاجة تعتبر حمولة رمزية مهمة بالنسبة لحملتها وحماتها والحالمين بها، غالبا ما تشكل وصفة سحرية لتليين أصحاب الطبائع الفظَّة، لا سيما إذا جاءت المناداة مصحوبة ولو بقليل من التذلُّل والدروشة: "سِيدْ الحاج"، "سِيدْنا الحاج"، "بّالحاج". في المقابل، احذر تماما من وصف الحاجة بـ"أمي الحاجة"، لأن في ذلك استفزازا رمزيا لأنوثتها!

الزاد والرحيل:

بعد أن هيأتَ أمتعة الزاد والمؤونة وما تحتاجه من أفرشة، استعدادا لرحلة المرفق الإداري المفتوحة على المجهول، حاولْ أن تعقد عشية المغادرة جلسة مسائية وداعية مع أفراد أسرتك الصغيرة، تشرح لهم طبيعة الحيثيات، توصيهم خيرا بأنفسهم وحاضرهم ومستقبلهم، ثم تخبرهم بوضوح بأنك بصدد التحضير كي ترحل غدا مع أولى تجليات خيوط الفجر قصد انتشال حق الحصول على وثيقة إدارية، وتجهل تماما المدة المطلوبة للظفر بذلك، لأن المهمة التي توهم في المعتاد أنها قد لا تقتضي سوى عشر دقائق، لا سيما بالقياس إلى عصر الرقمنة ومنظومة التواصل ذات السرعة الضوئية، ربما استغرقت عندنا عشر ساعات، عشرة أيام، أو أخذتها متاهات لا نهائية. وحدها الصدفة تعلم.

الاستئناس بالمكان:

يعتبر ذلك شرطا جوهريا كي تصير مستعدا لمكابدة احتمالات الديمومة، وتتحمل عن "طيب خاطر" مناحي الزمان المفتوحة على المجهول. طبعا، لكل مكان خصوصيته، تكشف عنها أعرافه، عاداته، إشاراته، شعاراته، لغته. بالتالي، وقد وضعتَ أقدام خطوك الأول ضمن خطوات مسار سيزيف، حاولْ استعادة معطيات معلوماتك التفقدية الأولى، ثم تفعيلها على ضوء المعطيات الجارية لسياقات الزمكان الجديد.

القطع مع الزمان الكوني:

بالتأكيد، يصير الزمان فقط متوقفا على إحداثيات المكان الجديد، موصولا بها. إذن، تجنبا لكل تمزق نفسي بين القائم والممكن، حاول الإسراع إلى الانتهاء من سيرورة زمانِكَ الفيزيائي ما دام الزمان سيتوقف: عشر دقائق، هي عشر ساعات أو عشرة أيام أو عشرة أشهر أو عشر سنوات، لا يهم. إذن، تخلص من ذاكرة خزعبلات الأنوار والغرب واليابان والسند والهند والزمان كالسيف والهدر الزماني، ثم ادخل إراديا، بمحض قواك العقلية، مجال سبات جليدي، حتى زمان آخر، راقصا طربا على أنشودة معروف الرصافي:

ناموا ولا تستيقظوا فما فاز إلا النوم

وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدموا.

كل ما أعرفه أنني لا أعرف شيئا:

احفظ القاعدة السقراطية عن ظهر قلب، واجعلها سندا وحيدا لمدارات رحلة الصف والشتاء. قبل بداية أول احتكاك، توجه إلى مرحاض المرفق العمومي، على علاته، ثم امْلأ سطلين كبيرين من الماء البارد، واسكبهما عليكَ تبعا للطريقة اليابانية. من جهة، كي تبرد فورة دورتك الدموية، وتشتد عضلات جسمك، أملا في أن تساعدك على الطلوع والنزول ثم النزول والطلوع ثانية. ومن جهة ثانية، حتى يصير كيانك قطعة لحم بلا رأس: صماء، بكماء، عمياء. فقط مومياء، قُدِّر لها لعب أدوار بين طيات مُرْبِكة غبية. اعتبر يا أخي اللامبالاة مجرد درس سيكو-درامي مجاني يعلمك فنون السخرية من العالم. والاستهتار سوى تقوية لذاكرتِكَ وتحصينا بكيفية أخرى لمناعة مبادئك: "يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر"، (الروح العظيمة غاندي). يستحسن أن تتمثل جيدا وقتها المنهج الشكي الديكارتي، وتنتهي من منظومة البداهة والوضوح:

-"صباح الخير…، السلام عليك…، تحية…، لاَبَاسْ..."، (حاولْ تجريب تحيتك بمرجعيات ثقافية عدة، حسب طبيعة المتلقي المتواجد أمامك، كي لا تخلق منذ البداية حساسيات أنت في غنى عنها).

-"وعليكَ بالمكتب المجاور…".

-"لقد مررتُ منه، فأخبرني الموظف الآخر بأنكَ المسؤول عن تهيئ وثيقتي المتوخاة".

-"لست أنا، هؤلاء فقط يخربقون، شوف مع الحاجة "x"، تلك القابعة في الزاوية الأخرى".

- "الحا. . ج. . ة من فضلك أ. . ر. . ي. . د".

-"لا، إنهم يكذبون عليك، لست صاحبة الاختصاص، شوف مع الحاج "y" في الطابق الثاني من الإدارة...".

تحضير وجبة غذائية صحية يوم الجمعة:

صحيح، قد تنهك وتخور قواك الجسدية والعقلية وأنت تخوض سباق الماراطون العبثي داخل دهاليز المرفق. بالتالي، لا وقت لديك، كي تطهو طعاما، أو تحضر وجبة دافئة، لأنه عليك طيلة اليوم ترصّد مطاردة مجموعة أطياف هلامية، تتقاذفك ضحكا مثل كرة يمنة ويسرة، طولا وعرضا، شمالا وجنوبا، أفقيا وعموديا. إذن، اكتف لدواعي الضرورة بالنزر اليسير، وستجد رهن إشارتك، منذ الساعات الأولى لصبيحة يوم الجمعة، متسعا فائضا من الوقت كي تعوض السعرات الحرارية الضائعة، ما دام جل المرفق سيغادر صوب المسجد للصلاة، ولا يعود هذا المرفق إلى مرفقه سوى الاثنين صباحا. وإن عاد، فيظل ذلك افتراضيا.

لا تتسرع في إعلانك الفرحة:

إن حدث، وحصلت أخيرا على الوثيقة المرجوة، التي بذلت من أجلها الغالي والنفيس، فلا تسرع نحو جمع أغراضك قصد العودة إلى البيت، قبل أن تتملى جيدا وبدقة تفاصيل الوثيقة والمعلومات المكتوبة. يقع في الغالب الأعم خطأ، ومن ثمة يلزمك معاودة الكرَّة ثانية، بناء على كل المراحل السابقة.