قضايا

على ضفاف الإنتحار... الهاربون من الحياة يستحقون الإنتباه

عبد العزيز المنيعي

تكاثرت وتناسلت عمليات الإنتحار التي ينفذها أشخاص من مختلف الأعمار، المسألة لم ينج منها حتى الاطفال... أخرهم طفل فاس الذي فر حسب مضمون رسالته من سوء معاملة زوجة والده، رسالته تحمل اكثر من تأويل، لم يكن في السابق التعب من أوزار المعاملة السيئة يفضي بالأطفال إلى إنهاء حياتهم. الاكيد أن هناك مستجد، ويتجلى بكل بساطة، أن امس ليس هو اليوم، والهاتف بخيط ليس هو الهاتف الذكي، وموجة الإفتراض ليست هي الواقع أبدا.

فالهروب من الواقع إلى الإفتراض، هو تماما مثل الهروب من الحياة إلى الموت، اللجوء إلى العدم وإنهاء مقاومة المعيش.

المعادلة الإنتحارية تتطلب حلها من طرف الجميع، وفك رموزها بتكاثف القراءات بكل أبعادها الفكرية والعلمية والإجتماعية والإقتصادية. السوسيولوجيا دورها هنا، الذي يقوم على التحليل و جس النبض و التنبيه و التوعية.

الكل معني بهذه الحالات التي لا يمكن من الان فصاعدا إعتبارها حالات متناثرة، فكثرتها تدعوا إلى القلق، وتدعو إلى طرح الأسئلة الحقيقية على الكل دون إستثناء.

فأرقام الإنتحار، تدعونا إلى تفقد حواسنا و أعصابنا و العناية بصحتنا النفسية و العقلية، فالجنون ليس أوج الخروج عن المعقول. بل هناك امراض نعيشها و نتنفسها في يومياتنا، و هناك مرضى يعيلون أسرا و يدرسون تلاميذ و يعالجون مرضى و يدافعون عن متهمين و يرسمون و يكتبون و يصلحون السيارات و يبيعون الاكل في المحلبات و المطاعم. هؤلاء كلهم نحن، نتفرد في حالاتنا ونتوحد في صيغتنا الجماعية.

كما لو أننا انهينا مسافة الحياة بفرض الإنهزام على أنفسنا. ذاك الرجل و تلك المرأة و ذلك المراهق، كلهم نحن في صيغة الجمع. نحن الذين نستفيق و نخاف من يومنا، اكثر مما نطمع في لحظة مورقة و يانعة تظلل رؤوسنا بما تيسر من حلاوة اليومي. هكذا نمر عبر اليوميات حيث تتحد كل القراءات و التأويلات و التحاليل، كلها تتساوى في ذهننا..

هي اليوميات التي تسرق ما تبقى من صبر، وليس هناك من يقوم بواجبه كما هو، فالمواطن الذي  يتجرع المرارة في "الحانوت" و في الصيدلية، يتجرعها أيضا في التلفزيون الذي يدخل أحلامه أيضا.

ورغم ذلك لا حجة للهارب من مواجهة الحياة بالإختباء في الموت، هناك ما يستحق الحياة، قالها الراحل الكبير محمود درويش..