تحليل

التخطيط الإستراتيجي بالمغرب

المصطفى دليل

مقاربة متوازية بين المغرب ودول إفريقيا الغربية

التخطيط الاستراتيجي مقاربة مفتوحة على المستقبل لتسليطه الضوء على الحاجيات الحاضرة والمستقبلية للساكنة مع وضع تصور مدروس لاستباق المتغيرات الممكنة. لذا، فإن هذا التخطيط يقدم رؤية للمستقبل ويحدد الإستراتيجية المناسبة ويركز أيضا على الأولويات ويحدد البنيات والوسائل من أجل تنسيق وتدبير الإجراءات. وعلى العكس من التخطيط التقليدي، فإن التخطيط الإستراتيجي يوجه الحوار مع / بين مجموع المتدخلين والفاعلين التنمويين بغاية فهم الواقع والانخراط في أهداف المخطط.

ومن فضائل مقاربة التخطيط الاستراتيجي خلق ظروف ملائمة للتنمية المستدامة، تستفيد منها في الأجيال حاضرا ومستقبلا وتمكن من تخصيص فعال للموارد المختلفة أخذا بعين لاعتبار أولويات التنمية. إضافة لما سبق، فإن من فضل التخطيط الإستراتيجي تحديد أهداف تنموية قابلة للقياس. والأطراف المشاركة في التخطيط الإستراتيجي متعددة، منها - وليس أهمها - المستفيدون المباشرون من البرنامج أو المشروع التنموي مع اعتماد مقاربة النوع وإشراك ذوي الاحتياجات الخاصة؛ والمهنيون الممارسون؛ والنقابات المهنية؛ ومختلف المصالح الإدارية؛ وممثلو الدولة؛ والمقاولات؛ والمنظمات غير الحكومية؛ والخبراء والمساعدون التقنيون؛ ... ويتوقف نجاح هذا المخطط الإستراتيجي التشاركي على مبدإ التراضي بين الأطراف المعنية.

1 - تجليات ضعف المنهجية الإستراتيجية بالمغرب :

من استنتاجات أعلى مستويات الدولة بالمغرب أن عيوبا كثيرة طبعت تدبير السياسات العمومية والبرامج والمشاريع التنموية بالمغرب مما أدى إلى عدم بلوغ النتائج الايجابية المنتظرة منها، من أهم تلك العيوب التقصير في التعاطي مع مراحل تنزيل المخطط الإستراتيجي، المؤدي إلى استعصاء الأداء السليم للسياسة العمومية والابتعاد عن شروط التصور والتحليل والتنفيذ والتتبع والتقييم القمينة بجعلها ممارسة سلسة وهادفة، وخير دليل على ذلك مآل برنامج الحسيمة – منارة المتوسط الذي كان وما يزال مادة صالحة لاستخلاص الدروس.

إن المتمرس بالتخطيط الإستراتيجي والتخطيط العملياتي وتتبع وتقييم البرامج والمشاريع التنموية والتدبير المرتكز على النتائج لا يسعه إلا أن يستغرب عما تم الكشف عنه حول تدبير البرامج المذكور بمشاريعه التنموية. ففي تصريح له، قال آنذاك رئيس الحكومة الحالي أن الحكومة تعكف على إرساء لجنة مركزية يكون دورها السهر على "التقائية" مشاريع وأنشطة مشاريع البرنامج. فمتى وجد تخطيط استراتيجي من غير الأخذ بعين الاعتبار شرط "الالتقائية" قبل وضع المشاريع حيز التنفيذ. وتعني هذه الممارسة أيضا أن ما تم تنفيذه في سياق السياسات العمومية لم يراع شرط "الالتقائية" التي يرمي إلى تفادي تكرار أنشطة وأهداف المشاريع وبالتالي الإضرار بالمالية العامة وعرقلة التنفيذ. كيف تجيز الحكومة لنفسها تذكير الجماعات الترابية بمبدإ "الالتقائية" حين إعداد "مخطط العمل الجماعي" وهي لا تسهر على الأخذ به في مخططاتها؟ وينتج عن السياسات العمومية المتبعة في شكلها ومنهجها الحالي أن لا أثر لها على المديين المتوسط والبعيد وربما الآني قد يتحقق لصالح المواطنين.

في حقيقة الأمر، يرد عدم تحقيق الأثر لمخطط تنموي كما هو مطبق بالمغرب في نهجه الحالي إلى عدة أسباب، أهمها:

اختلالات تسيير لجنة القيادة وعدم مسايرتها لسيرورة المشاريع أو البرنامج، وربما انعدم تمثيل كل القطاعات والشرائح الاجتماعية المعنية أو أن ذلك يعود إلى مستوى تأهيلهم وخبرتهم أو غياب تتبع ومراقبة أعضاء اللجنة.

- عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة من أجل السهر على تحقيق الأهداف، وهذا الاعتبار ذو علاقة بالاعتبار السابق.

- عدم إشراك المستفيدين من المشاريع أو البرنامج أو عدم إشراكهم بما فيه الكفاية أو قصورهم في وضع تصور تنموي محلي ومتلائم مع خصوصية المنطقة بل والالتزام بالمقاربة التشاركية بكل شروطها على امتداد "تنزيل" مراحل التخطيط الإستراتيجي، بمعنى إقحام مكونات المجتمع المدني والقطاع الخاص ومؤسسات الدولة والإدارات وكل من يعتبر تواجده مفيدا لتحقيق البرنامج أو المشاريع من خبراء ومستشارين في مجالات معينة.

- غياب أو عدم تتبع ما فيه الكفاية مراحل التخطيط الإستراتيجي التنموي. نفس الحكم ينطبق على إجراءات تقييم التنفيذ سواء المرحلي منه أو النهائي. وينضاف لهذه الثغرة عيب مؤشرات قياس بلوغ الأهداف التنموية الخاصة بكل مستوى من مستويات المخطط الإستراتيجي.

2 - افتقاد روافد التخطيط الاستراتيجي ببلدان غرب افريقيا:

من خلال العمل بجانب مسؤولين من تلك البلدان باعتباري مستشارا في التكوين في مجال التنمية، أدركت أن تدبير البرامج والمشاريع التنموية يعاني من اختلالات مدمرة للسياسة العمومية المتبعة و للبرنامج و للمشاريع التنموية، أختصرها فيما يلي :

- ازدواجية مربكة في تدبير الموارد البشرية:

نقف في غالب الأحيان على فئتين من الأعوان المنخرطين في تنفيذ المشروع التنموي، تتكون الفئة الأولى من أعوان منتمين للوزارة المعنية بالمشروع ويعتبرون في وضعية إلحاق إداري إلى غاية متم تنفيذه. و بالمقابل، تتكون الفئة الثانية من أعوان ومساعدين تم استقدامهم للحاجة على أساس عقد ينتهي العمل به بانتهاء أجل المشروع التنموي. أمام هذه الازدواجية المتعارضة بكل المقاييس مع التدبير السوي للموارد البشرية، اشتكى القائمون على المشروع من كون الفئة الأولى وعلى عكس الفئة الثانية لا تلتزم باحترام النظام الداخلي المؤطر للمهام بسبب تمتعها بتغطية أطر الوزارة، الشيء الذي يحول دون محاسبتها، وقد ترتب عن هذا السلوك غير المسؤول إخلال بالانضباط وبروز مخاطر من شأنها إفراز نفقات إضافية أو تعذر استدامة نتاج المشروع.

- تحديد أهداف إستراتيجية المشروع في غياب دراسة مرجعية أو دراسة مسبقة:

أدى هذا الانطلاق الخاطئ من الأساس والمفتقد للدراسة الأولية إلى جهل واقع حال المشروع التنموي وإلى استحالة تشخيص المشاكل وتحليلها وتحديد المخاطر الممكن الاصطدام بها عند انطلاق المشروع وطيلة تنفيذه. في هذا السياق، ينبغي التذكير بأن اللجوء إلى قاعدة معطيات أو بنك معلومات والاعتماد على مشاركة مجموع الأطراف المعنية لجمع معلومات ومعطيات دقيقة و موثوق بها و غير متجاوزة و صالحة، يعتبران شرطين ضروريين للدراسة المسبقة الآنف ذكرها وكذا لوضع مؤشرات قياس مستويات تحقيق الأهداف.

- عدم التقيد بآجال القيام بمهام تتبع مراحل تنفيذ المشروع التنموي:

من شأن الإخلال باحترام تواريخ التتبع المحددة سلفا (مبدئيا في الأسبوع الأول الموالي للشهر المنتهي) أن تفقد المعطيات راهنيتها وفعاليتها، ويعقد معالجة ثغرات الفترة المنتهية أو يستبعد إصلاح نقائصها في الوقت المناسب، تفعيلا لمبدإ المرونة الذي يميز التخطيط الإستراتيجي وكذا مقاربة التدبير المبني على النتائج التي اعتمدتها المنظمات الدولية والقطاعين العام والخاص لمختلف الدول.

- عدم الاعتماد على إطار منطقي خلال تنفيذ إستراتيجية التنمية:

إذ من شأن هذا الإطار المنطقي المحصن بتقديرات وأهداف واقعية تمكين المسؤولين من تتبع الأهداف المسطرة المباشرة والخاصة والعامة أي على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد من جهة، وأيضا من التحكم في تتبع وتقييم الأهداف باستعماله كوسيلة لهذا الغرض، من جهة أخرى.

- استحالة استدامة التنمية بعد انتهاء أجل تنفيذ البرنامج أو المشروع :

بحيث تتعذر استمرارية عطائه بعد نفاذ المدة الزمنية المخصصة لتأسيسه وإرسائه وبالتالي، توقف المانحين والشركاء عن الاستمرار في تمويل أنشطة المشروع. يترتب عن مثل هذه الوضعية عدم إدراك الأثر الإيجابي للعمل التنموي المتجسد في تغيير سلوك اجتماعي أو نمط حياة أو وضعية اقتصادية أو اجتماعية ما لما فيه مصلحة الأجيال الصاعدة أيضا. لهذا السبب، نجد أن العاملين بالمشروع التنموي يبدؤون في البحث عن شغل جديد مع اقتراب انتهاء أجله القانوني. عموما، والحالة هاته، عوض أن يكون البرنامج أو المشروع منتجا للتنمية المستدامة ومعتمدا على نفسه ماديا وتنظيميا، فإنه يصبح في مثل هذه الشروط محدثا لمناصب شغل مؤقتة ليس إلا.

*مستشار في التكوين وباحث في التنمية