قضايا

الأمازيغية بين الثقافي والسياسي

ابراهيم أقنسوس

هذا التماس في العلاقة بين الثقافي والسياسي هو بالضبط الإشكال العميق الثاوي خلف كل النقاشات والسجالات المرتبطة بقضية الأمازيغية في بلادنا، فكلما اتجه الكلام نحو الحقوق الثقافية والحضارية لمكوننا الأمازيغي، خفت حدة الجدل والسجال، وكلما انعطف الحديث نحو الحقوق التاريخية والسياسية وما إليها، احتدم الخلاف وارتفع منسوب الشد والجذب، مما يعني أن جزءا مهما من الإشكال المرتبط بموضوع الأمازيغية في بلادنا مرده أساسا إلى نوعية المقاربات والرؤى المعتمدة، أهي ثقافية، أم سياسية، أو هما معا؟

إن من أصعب معوقات النقاش هاهنا هذا التردد وهذا الانتقال الزئبقي غير المنضبط منهجيا بين الثقافي والسياسي، مما يورط الكثير من المتدخلين في الموضوع في سجالات عقيمة، وفي مطولات كلامية لا طائل من ورائها، عدا إذكاء النعرات القبلية واستفراغ الجهد في الثرثرة ورفع الأصوات.

وللخروج من هذه الشرنقة، سيكون مفيدا، في تقديري، إعادة طرح بعض الأسئلة الجوهرية، وأولها ماذا نريد بالضبط بمكوننا الأمازيغي؟

المؤكد أن علينا أن نسعى جادين إلى حيازة المنظومة الثقافية لهذا المكون الوطني بما يفيد في استعادة عنصر أساسي من عناصر حضارتنا، وما نقوله عن الأمازيغية ينسحب طبعا على غيرها من الثقافات الوطنية الأخرى، فالأمر في النهاية يعني السعي إلى استعادة تاريخنا الجمعي، وغير المكتوب، واسترجاع لحظاتنا وآثارنا التي تم استبعادها، غفلة أحيانا، وعنوة أحايين أخرى.

من هنا، لا يصح أن نتحدث عن مكوننا الأمازيغي وننافح عنه بمنطق الطائفة ولغة الجماعة التي تخشى الانقراض، لا يصح أن نحول الحقوق الثقافية إلى مطالب سياسية ضيقة نسعى من خلالها في النهاية إلى صناعة طائفة جديدة تنضاف إلى باقي الطوائف، ليس إلا.

بعد سؤال الجدوى، يأتي السؤال الكبير الثاني، في تقديري، ومفاده هل فعلا يشكل موضوع الأمازيغية، بالمعنى الذي يتم تداوله به، في بلادنا مشكلا حقيقيا بالنسبة إلى عموم المواطنين وبالنظر إلى معاناتهم الأساسية وما يكابدونه يوميا؟

إن ترسيم اللغة الأمازيغية، وتعميم تدريسها، واعتماد حرف تيفناغ، وإعادة الاعتبار لمختلف تعبيراتها، وضمان حقوقها الإعلامية وغيرها، ليس في النهاية إلا مساهمة جزئية، ومعتبرة طبعا، في رص كياننا الداخلي، وإعادة كتابة تاريخنا المشترك، لتبقى الكثير الكثير من القضايا والملفات الضخمة تنتظر الحل والمعالجة.

أقول هذا الكلام وأنا أستحضر حماس بعض النشطاء الأمازيغ وهم يقاربون الموضوع بمنطق شمولي، يعوزه الضبط والمنهج في ترتيب القضايا، وتحيين الأولويات، فالأمازيغية لغتي، كما العربية لغتي، كما الحسانية لغتي، كل هذه الحروف والرسوم، بكل تنويعاتها ودوارجها لغاتي، تفيدني في تماسك كياني الداخلي تمهيدا للنجاح في مواجهة معوقاتي وأعطابي الأساسية والكبرى، وتمهيدا أيضا للنجاح في مواجهة العالم، وبلغات العالم اليوم، وهذا هو السؤال الثالث، والكبير أيضا.

نحن في حاجة إلى مقاربة منفتحة وناجعة لمكوننا الأمازيغي، مقاربة تفيد في صناعة إجماع مسؤول حول قضايانا الداخلية، ونجاعة معتبرة في مخاطبة الخارج والدفاع عن كياننا الوطني الجامع.