إدريس بنيعقوب: ضد من نصوت في الإنتخابات المقبلة؟

إلى حدود الإنتخابات التشريعية لسنة 2007 التي تصدرها حزب الاستقلال متبوعا بالإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، كان السلوك الانتخابي للمغاربة، إلى حد ما عقلاني، يرجح كفة الانتماء الحزبي والايدلوجي على كفة الاختيارات الجزائية الانتقامية بدون بوصلة فكرية.

للأمانة والتاريخ ساهمت بشكل كبير حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي، في بناء مغرب المنجزات، مغرب جديد يراعي الفوارق الاجتماعية ويبدع صيغ إدماج جديدة لجميع فئات أبناء المغرب.

لا زلنا نتذكر كيف كانت المعاناة والأحلام في مسألة الحصول على سكن رئيسي أو قطعة أرضية للبناء أو الحصول على قرض استهلاك أو لتملك العقار أو حتى لشراء "تلفزة ألوان" أو غسالة ملابس أو سيارة وغيرها قبل مجيء فتح الله ولعلو للمالية والاقتصاد. ثم نتذكر أيضا كيف انتشر السكن الاقتصادي واتفاقيات القروض بفوائد جد معقولة ومنخفضة، وكيف انخفضت أثمنة عدد من المواد المنزلية حتى أصبحنا نعيش زمن المنازل الجميلة والمكيفات وشاشات التلفزات بأثمنة في متناول الجميع. ثم كيف ساهمت رؤى أحزاب الكتلة الوطنية في تنزيل المشاريع المهيكلة الكبرى تماشيا مع توجهات الملك حتى حتى جميع المخططات الاستراتيجية الكبرى من تصنيع ومخطط المغرب الأخضر تم وضع لبناتها في ذلك العهد.

كلها منجزات ينعم بها المغرب تبلورت في ذلك العهد نظرا لوجود تصورات وقتها دقيقة وعملية، وأفكار مبدعة أصلحت معظم أعطاب الدولة المغربية، ابتداء من الإقتصاد وهياكله إلى إشعاع المغرب الاستثماري على المستوى الدولي، مرورا بمشاريع فك العزلة من كهربة وطرق ومدارس وغيرها.

منذ وصول الإسلاميين إلى قيادة الحكومة وتدبير قطاعاتها، تم ردم كل المنجزات السابقة ولوحظ تراجع مهول في الأفكار المنتجة لكميات جديدة من الواقع لصالح مختلف الفئات الاجتماعية. جاؤوا عن طريق سلوك انتخابي غير عقلاني لا يحملون معهم أي أفكار جديدة بل جربوا في المغاربة تجارب مميتة من الناحية الاقتصادية فكانت النتائج مؤشرات باللون الأحمر في كل القطاعات. لم يكونوا مهيئين للقيادة والإبداع. حملوا معهم ثقافة التصدق والأجر عند الله فأنزلوها من حيث يشعرون أو لا يشعرون في مؤسسات الدولة ومنها صدقة الأرامل أمهات الأيتام ومحاولة إعطاء دعم مباشر للفقراء، كما يفعلون على أبواب المساجد.

لن نخوض هنا في مفارقات واسقاطات ثقافة الجماعة على مؤسسات الدولة، وإنما نريد فقط أن نتساءل عن السلوك الانتخابي الذي أفضى إلى هذا الوضع. فمنذ فترة ما عرف بالربيع العربي، وقعت قطيعة في السلوك، وتعرضت الذاكرة إلى قطع أوصالها مع الحاضر. تعمد كل خطباء الربيع تغاضي الطرف عن منجزات وحقائق الماضي القريب، معتبرين  أن البلاد تعيش ولادتها الحقيقية وأن كل ما سبق كان بهتانا واختطافا للأمة والدولة والمجتمع. خطاب عاطفي لايعرفه التاريخ كثيرا ولايذكر فضله إلا نادرا. التاريخ يعرف الناجز على الأرض ويعرف الرجال البناؤون الذين حركوه في اتجاهات تخدم أو تدمر الإنسانية.

لا يمكن أن ننكر أن ظهور حزب الأصالة والمعاصرة بصيغته الأولى ثم في خلقته المظطربة مع إلياس العماري، ساهم في صناعة سلوك انتخابي انتقامي لصالح البيجيدي. المغاربة الذين صوتوا في 2011  أو في 2016  لم يفكروا ايديولجيا عند التصويت، ولم يعطوا أصواتهم لعبد الإله بنكيران محبة فيه أو إيمانا بثقافته وفكره، بل كان السؤال المطروح عليهم بإلحاح هو ضد من سنصوت ومن سنعاقب ومن علينا منعه من الوصول؟

يمكن للبعض أن يصف هذا السلوك الانتخابي الذي تتحكم فيه عناصر نفسية عميقة مختلطة مع الظروف الاجتماعية، أن يروا فيه سلوكا عقابيا جزائيا انتقاميا لا غير. لكنه في عمقه هو تعبير عن روح وطنية وعن قيمة إنسانية في صيانة الدولة من مغامرين بأمنها واستقرارها ومواردها.

حزب الأصالة والمعاصرة مع إلياس العماري ورغم تجييش جزء من الدولة معه، لم يكن مقنعا لعمق الدولة التي ربما رأت فيه خطرا بالنظر إلى الوجوه التي تربعت على سطحه وهي غير مؤهلة لقيادة الحكومة ومرشحة لأن تحدث قطائع غير محمودة وتزرع ثقافة تدبيرية خطيرة قد تعيد بقوة التيار الإسلامي إلى الشارع والى الواجهة.

لذلك كان المغاربة يعلمون حجم المخاطر والمغامرة غير المتوقعة النتائج فسارع عدد كبير منهم إلى التصويت ضده لصالح من هو أقرب للفوز أي للبيجيدي. اليوم نعيش فترة أصبح الوضع الاقتصادي والاجتماعي لا ينذر بخير بسبب عدم قدرة الحكومة وقيادتها التعاطي مع الواقع ومع التوجيهات كما تعلمت الحكومات منذ اليوسفي إلى عباس الفاسي، وسيكون لا محالة من المفروض تغيير السلوك الانتخابي انطلاقا من نفس السؤال: ليس لصالح من سنصوت بل ضد من سنصوت أو بالأحرى من سنعاقب انتخابيا؟